د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

حديث الذكريات (35).. اشتقت اليك ياوطني !! (الحلقة الأخيرة)

أتمنى من كل قلبي أن لا أكون ضيفا ثقيلا على قلوبكم في هذ ه الحلقات التي طالت وامتدت   طوال شهر رمضان والعيد حتى وصلت   إلى 35 حلقة وهي الأخيرة التي نختم بها هذه السلسلة التي لامست واقعنا وأوجاعنا وأفراحنا وذكرياتنا وأتمنى من القراء الكرام العفو والسماح اذا بدر منا هفوات أو زلات ، وهذه الحلقة هي  الأخيرة :
ولا أدري  من أين أنهي  حديثي عنك يا وطني  ؟؟ من شوقي العارم الذي لا ينتهي ولا يجف؟!… أم من غربتي التي طالت ؟! أم من حزني وألمي على ما يجري فيك  يا وطني ؟
لقد مستك أيدي  الشر والعدوان  يا وطني.. لقد  عبثوا فيك فأبكوك وآلموك ..!!   لقد  قدموك قربانًا ليعيشوا هم  ويرقصون على أطلالك ورفاتك ؟!!
وطني لا تغضب منا  إن خذلك البعض من  أبنائك  ودنسوا ترابك  بأيديهم.. وزاد شرهم ومكرهم وفسادهم، فلا تخف ولا تحزن  فالباقون من أبنائك الشرفاء   سيموتون فداءً لترابك وهم على العهد باقون كأسلافهم الشجعان الذين سبقوهم !! 
وطني وإن طال بعادي عنك تبقى أنت الأروع والأجمل في نظري… وطني الغالي عذراً منك، فأنا مهما كتبت عنك فلن أُوفيك حقك ولساني يعجز عن وصفك وكلماتي تتبعثر وتشرد مني  حين أنطق بحروفك. وطني جنوب الوفاء والكبرياء والصمود دمت لي فخراً وذخراً يا أغلى ما في الوجود.
سأعود قريبا لأزرع في أرضي سنابل القمح وأغرس في حقولها أشجار البرتقال والليمون وعقود الفل والياسمين ولن أدعها  تبكي أو تذبل أو تموت  بل  سأسقيها بدمي قبل أن أموت .
وبعد ذلك كله  أسأل نفسي :
ما جدوى الكتابة  في هذا الزمن الصعب  ؟؟!.. توقفت طويلا قبل ن اجمع الاحرف لأصوغ عقدا ازين به هذه  الشاشة ، او جمله هادفة لعلها تلامس جروحنا الدامية ، وسألت نفسي : ولمن اكتب ؟؟ هل نكتب  لنؤرّخ أوهامنا وأحلامنا لحظة عبورنا  ؟! و لماذا نكتب ؟ هل  لنمارس طقساً من طقوس المتعة.. بالتطهّر.. والتسامي.. و تزكية النفس.. ؟؟!!
ام لنقاوم البشاعةَ بالجمال.. والكراهية بالحب.. والقلق بالسلام ...ونحقّق بالبوح حريّتنا وبهجتنا وغبطتنا وسلامنا الداخلي.
ام لنسقي حقولنا  من نزف أكبادنا  وشهد  الكلام.. وننثر باقات  الورد والحنين على قبور من نحب..؟!!
حين تكون الكتابة جهداً يتبدد أمامنا كالدخان الذي يخرج من احتراق البخور يخفف من  اندفاعات القلم وهو يبصر العالمَ وقد هيمن عليه المنافقون والجهلة  والأمّيون في زمن كَثُر فيه  الخداع والكذب والفساد وقلّ فيه الفعل النبيل حتى غدت الكتابة تجديفاً إلى المجهول تحاصره المحسوبية والفقر والغلاء والاشاعة  حتى  لم تعد للكلمة الشريفة  تلك الهيبة التي كانت قديما تفتح للأحلام آفاقا  و تسدّ للشرّ أبوابا ، ومع ذلك كله لا زلت اكتب لأضع  بصماتي وأسجل  وقع خطواتي لحظة عبوري  هذا الزمن الرديء الذي جار علينا و عليك يا وطني  ، اكتب ليكون الغد أقلّ سوءاً من اليوم وأفضل  من الأمس  
في الوقت نفسه يطرح علينا  جيل الأبناء والأحفاد  أسئلة كثيرة نحتار في الرد عليها  ، انهم جيل من  المعذبين الذين يقفون حيارى في الشتات فلا هم يعيشون الواقع ويتفهمون ولا هم يجدون تاريخا مكتوبا فيقرأون ويقتنعون ، يبحثون عن وطن فلا يجدونه انهم جيل حائر وعلينا زرع الأمل في نفوسهم  ولنجعل حياتهم  أفضل وأقوى  ممّا هي عليه الآن !!
ولكن هيهات أن يتحقق لنا ولهم ذلك  ..إنها مهمة شاقة كخرط القتاد ولن تتحقق  إلا إذا تمسكنا  بحقنا في الحياة   والحرية – نحن معشر البسطاء الحالمين المعذّبين المنفيين داخل  أوطاننا وخارجها   المتشبثين بأحلامنا التي لا حدود لها !!
  وأقول لأصدقائي وبني وطني انني لا زلت غريبا في بلدي وخارجها ..أصبحت معدما لا أملك من حطام الدنيا شيئا وأعيش على الكفاف ، ولكنني  أبشرهم  أننا جيل عصي على الأعداء ولن يستطيعوا محو ذاكرتنا الجمعية أو شرائنا وتدجيننا في حضائرهم 
وخلاصة القول أقول لهم :
إن  الطوفان قادم لا محالة  وسيجرف المجرمين و معهم  كل الأوغاد والأوباش والعملاء الصغار  الذين لم يشبعوا من السحت والمال الحرام ويقتاتون على  دمائنا و آلامنا وأوجاعنا ولكن إلى حين ، وأذكرهم ان وعد الله حق وهو القوي القادر والقاهر على محو  الظلم والظلام  وسيطهر الأرض  من رجسهم وآثامهم  وأدرانهم ، وصدق الله تعالى القائل :
«أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله وكذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال». (الرعد:17).صدق الله العظيم .
د. علوي عمر بن فريد
(انتهت الحلقات)