د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
قلمي لا يطاوعني على الكتابة !!
هل الكتابة فعل أم رد فعل ؟ وهل الكتابة صوت وصدى أم شحن وانفعالات ؟!! وهل ما نكتب تعبير عن الواقع المعاش ، أم أنه مجرد هرطقات وخيالات ؟!!
عندما ابدأ اكتب عادة أجد قلمي مطواعا سلسا تحركه يمناي بلمسات خفيفة وينساب حبره على الورق الأبيض بسهولة شديدة وإذا كتبت على شاشة الكومبيوتر بالضغط مباشرة على الأزرار تتدفق أفكاري بيسر وسهولة ولكنه هذه المرة وعلى غير العادة كلما حاولت الكتابة لم يطاوعني قلمي لأنه موصول تلقائيا بأفكاري المشتتة من هول ما يجري من أحداث مأساوية في وطني الذي غرق في حمأة الحروب والاقتتال الأهلي بين أبناءه .
استيقظت من نومي في الثانية صباحا بعد أن جفاني النوم وبقيت أحاول أكثر من ساعتين أمام جهاز الكومبيوتر أحاول تطويعه بالضغط على أحرف الكيبورد دون جدوى ...ثم اسحب ورقة بيضاء وأحاول أن ابدأ بعنوان جديد أو عبارتين متناسقتين دون جدوى...واسأل نفسي: هل جف حبر قلمي أم ضمر عقلي وفكري؟
واشعر برفض قلمي الكتابة وكأنه يتوسل إلي ألا اضغط على رأسه
ولكنني رفضت توسلاته وسكبت حبره الأسود على أوراقي البيضاء وهو يلهث باكيا، اضغط على ريشته فتنسكب كلمات سوداء الحروف مليئة باليأس والإحباط مما يجري من مآسي متلاحقة في كل شبر من بلادي !!
وأسأل نفسي : هل أصبحت كلماتي فارغة دون معنى ولا فحوى؟
هل باتت حروفي ناقصة وكلماتي تائهة وفارغة من محتواها؟
هل باتت أبجديتي متكسرة تتلاشى على صخور الواقع المرير الذي يخيم على وطني وقلمي يأبى أن يكتب وماذا أكتب؟
الكل يعلم أن القلم هو شرف الكاتب وضميره الذي إن تخلى عنه فقد شرفه وشخصيته لدى الناس جميعا، وهو الذي يحمله اليوم إلى آفاق رحبة وعوالم واسعة لم يحلم بان يراها في حياته.
وفي اليمن تحاول القوى المتنفذة أن تسير الكاتب وتوجه قلمه وتتحكم فيه وإن لم يطاوعها تمنع عنه الهواء وماء الحياة ولا يساعده أحد!!
وعندما يخون الكاتب قلمه يصبح أضحوكة لدى الجميع
وحين تضيق مساحة الحرية على الكاتب تتحول أصابعه إلى ديناميت لا يشتعل ..وحين تدخل الكلمة قمقمها فلا يستطيع إخراجها فهذا هو حالنا اليوم خاصة من هم من زملائنا الكتاب داخل اليمن
حتى أصبحنا مع الأسف الشديد نقمع ذواتنا ونحن نكتب خوفا أن نقول كلمات تعبر عنا ، ونصر على الغموض حتى ننجو من شرور الآخرين !!
وأصبح الكثير منا يبرمج أفكاره بحيث توحي أكثر مما نقول ونخبأ أكثر مما نعلن... كلماتنا تنقصها الصراحة ...نكبت مشاعرنا بالرمزية حتى أصبحنا كأبن المقفع الذي كتب أفكاره على لسان الطير والحيوان !!.
وهكذا من تسلم مناصب المسئولية العليا في الدولة مسئولية الناس ومسئولية التراب والماء والهواء وعندما تحاول أن تعرف شخصيته لوجدت أنها كلها خشوع و بكاء وصفاء و تضحية !!
المسئول في بلادنا تقي جدا ، طاهر جدا ، لا يهمه المال ولا الذهب ، لا يجيد اغتنام الفرص ولا يعرف كيف يأكل كل الأكتاف وهو أيضا دائم البكاء و الشكوى.. وقلبه على المواطن الغلبان ، اسمعوا ما يقول .. و تابعوا ما يكتب.. و شاهدوه في الفضائيات.. و في اللقاءات العامة ستجدونه رمزا للطهر و الفضائل و كل مكارم الأخلاق تنطبق عليه.. وبعد هذا كله أليس من حقنا أن نسأل المسئولين : ويحكم كلكم يبكى !! فمن الذي سرق الوطن..؟ ومن الذي مزق الوطن؟
أن نتعلم فن الإقناع.. فهل نفعل.. ؟ أساسا هل نقنع أنفسنا.. كيف.. إن لم نتقن التعبير عن الذات الجمعية المهمشة باعتبارها تعاني كل مهانات الظلم، وشظف العيش.. مرات كثيرة وأنت تعيد قراءة الكلمات.. تقر في ذاتك أنك تحتاج لشيء ما..، لفهم أعمق لفلسفة مجتمعية مختلفة.. تحتاج لأن تعيد النظر في قناعاتك.. في فهمك للحياة.. عل كلماتك تجد يوما طريقها.. ولكن بشكل مغاير لكل ما عشته أو فهمته في قادم الأيام فأصبحت اليوم لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به ؟؟ !!