خير الله خير الله يكتب:
اليمن من الوحدة… إلى المجهول
في التاريخ الحديث لبلد ذي موقع استراتيجي في غاية الأهمّية دوليا وإقليميا، هناك يمن ما قبل الوحدة التي تحققت قبل 31 عاما في الثاني والعشرين من أيّار – مايو 1990. هناك أيضا يمن الوحدة التي انتهت عمليا بالانقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون على علي عبدالله صالح، الرئيس بين 1978 و2012. وهناك اليمن الحالي الذي لا يزال يمرّ بمخاض عجيب غريب وتعقيدات لا يمكن حصرها. لا يمكن حصر هذه التعقيدات التي يصعب معها التكهّن بمستقبل اليمن والصيغة التي يمكن أن يرسو عليها بعد سنوات طويلة. كلّ ما يمكن قوله إن اليمن دخل منذ سنوات مرحلة المجهول…
قبل الوصول إلى المرحلة الراهنة، أي مرحلة سيطرة الحوثيين (أنصار الله) على صنعاء والحديدة ومناطق أخرى في الشمال وتهديدهم مأرب، وهي المرحلة التي تسبّب بها الإخوان المسلمون، كانت هناك مرحلة ما قبل الوحدة. في تلك المرحلة، كانت هناك دولتان مستقلتان، لكلّ منها نظامها الخاص بها، هما الجمهورية العربيّة اليمنية وجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبيّة التي حكمها حزب ماركسي مرتبط عضويا بالاتحاد السوفياتي كان همّه الانقضاض على اليمن كلّه وتحويله إلى حليف للقوّة العظمى الثانية في العالم وقتذاك.
حصلت حروب عدّة بين الشمال والجنوب في ظلّ حديث مستمرّ عن الوحدة بينهما. اعتقد الجنوب أنّ لديه تجربة ناجحة يستطيع تصديرها إلى الشمال وقبل ذلك إلى شبه الجزيرة العربيّة وذلك عندما دعم التمرّد في ظفار في سلطنة عُمان، وهو تمرّد استطاع السلطان الراحل قابوس بن سعيد القضاء عليه تدريجا واستيعابه ابتداء من العام 1970 تاريخ صعوده إلى العرش بعد إزاحة والده.
كان تاريخ الجنوب، منذ استقلّ في العام 1967 وصولا إلى الوحدة في 1990، سلسلة من الحروب الأهلية والصراع على السلطة وتهجير للكفاءات من “الجمهورية الديمقراطيّة الشعبية” التي كانت خالية تماما من أيّ نوع من الديمقراطيّة. انتهى النظام في الجنوب بعد اكتشافه أن ليس لديه ما يصدّره إلى الخارج من جهة وبعدما قضى على نفسه في مطلع العام 1986 في ما سمّي “أحداث 13 يناير” التي كانت حربا أهليّة حقيقية ومذابح متبادلة بين “القبائل الماركسيّة” انتهت بإزاحة علي ناصر محمّد عن السلطة. وقد خرج معه من عدن أنصاره. كان أحد هؤلاء الرئيس المؤقت الحالي لليمن عبدربّه منصور هادي الذي لم يرتبط اسمه يوما بأيّ كفاءة، من أيّ نوع، بمقدار ما أنّ علي عبدالله صالح جعل منه نائبا للرئيس في وقت كان في حاجة إلى جنوبيين يخوضون إلى جانبه الحرب على الانفصال صيف 1994.
كان الانفجار الداخلي في اليمن الجنوبي، إضافة بالطبع إلى انهيار الاتحاد السوفياتي، السبب الأساسي لتسهيل حصول الوحدة الاندماجيّة التي وقف خلفها شخصان هما علي عبدالله صالح رئيس ما كان يعرف بالجمهورية العربيّة اليمنية وعلي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي (الحزب الحاكم) في الجنوب. في الواقع، صمدت الوحدة عشرين عاما، بينها أربع سنوات يمكن وصفها بالسنوات الذهبيّة، بين 1990 و1994.
أدّت الوحدة إلى قيام نظام تعدّدي في اليمن. من حسناتها أنّها سمحت بترسيم الحدود بين اليمن من جهة وكلّ من سلطنة عُمان والمملكة العربيّة السعوديّة من جهة أخرى. لم يكن رسم الحدود مهمّة سهلة في مرحلة ما قبل الوحدة بسبب المزايدات المتبادلة بين النظامين في الشمال والجنوب اللذين كانا على طرفي نقيض. لكنّ الوحدة جعلت علي عبدالله صالح يرتكب سلسلة من الأخطاء، بما في ذلك تمسّكه أكثر بالسلطة بعد انتصاره على الحزب الاشتراكي الذي قاد حرب الانفصال في العام 1994 وسعى إلى العودة إلى واقع ما قبل الوحدة. جاء انتصار علي عبدالله صالح، وهو انتصار سهّله له قصر نظر القيادة في الحزب الاشتراكي ودعم الميليشيات التابعة للإسلاميين في الوقت ذاته، ليخلط الأوراق ويدفع الرئيس السابق في اتجاه ارتكاب مزيد من الأخطاء.
وقعت هذه الأخطاء في ظلّ بداية صعود الحوثيين الذين استثمر فيهم علي عبدالله صالح في البداية قبل أن يكتشف أنّ إيران باشرت في اختراقهم في العمق بطريقة منهجيّة من جهة وتآمر الإخوان المسلمين الذين اعتقدوا أن السلطة صارت في متناولهم من جهة أخرى. تحرّك الإخوان للاستيلاء على السلطة في 2011 مستفيدين من “الربيع العربي”، الذي ركبوا موجته، في ظلّ الطموحات التي تحكّمت بكل من المشير (حاليا) علي محسن صالح الأحمر، قريب علي عبدالله صالح (نائب رئيس الجمهوريّة الآن) والشيخ حميد عبدالله بن حسين الأحمر، نجل شيخ مشائخ حاشد الشيخ عبدالله الأحمر، الذي عرف، إلى ما قبل وفاته في 2007، كيفية إيجاد صيغة ما تبقي على شعرة معاوية بينه وبين علي عبدالله صالح والمحيطين به.
كانت نقطة التحوّل المعارك التي شهدتها صنعاء بين الموالين للرئيس السابق والإخوان المسلمين. جعل ذلك من صنعاء نفسها مقسّمة وأفقدها دور المركز الذي يدار منه اليمن. انتهت الوحدة مع علي عبدالله صالح وبدأت مرحلة جديدة لا يمكن معرفة إلى أين ستأخذ البلد. كان اليمن يخشى في الماضي الصوملة، باتت الصوملة تخشي حاليا اليمن الذي “تشظّى”، على حد تعبير الصديق مصطفى أحمد النعمان.
لا يكفي التباكي على الوحدة اليمنيّة، يفترض التفكير هل في الإمكان إيجاد صيغة جديدة لليمن في وقت استطاعت إيران بناء كيان تابع لها يتحكّم به الحوثيون منذ الحادي والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 يوم استيلائهم على صنعاء فيما عبدربّه منصور على غير علم بما يجري أمامه. اليمن إلى أين وما هو موقعه في المشروع التوسّعي الإيراني بصواريخه الموجهة إلى المملكة العربيّة السعوديّة؟ هذا هو السؤال الذي يجدر بالعالم طرحه في الوقت الحاضر في وقت تعير الإدارة الأميركية الجديدة اهتماما شديدا بهذا البلد، وهو اهتمام أدّى إلى تعيين مبعوث خاص لليمن هو الدبلوماسي تيموثي ليندركينغ.
ارتبط اليمن بمصير المشروع التوسّعي الإيراني. هل من يعرف مصير هذا المشروع، بكل تخلّفه، الذي يقوده بلد مفلس لكنّ لديه ميليشياته المذهبيّة وصواريخه في كل مكان… من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، سابقا طبعا!؟