د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

لماذا نحن إلى الماضي ؟!!

هل الماضي الذي انقضى من حياتنا ويطل علينا بين الحين والآخر من الذاكرة ما يزال بهذه الصور الوردية ؟!!
والجواب الواقعي سيكون لدى البعض منا ايجابا وسلبا عند البعض الآخر !!
وبلا شك سيكون الماضي عبارة عن صور كثيرة تحتشد في الذاكرة.. بعضها بالألوان والبعض منها فاحمة السواد ،ولكن الحنين إلى الماضي الجميل بذكرياته الرائعة أكثر التصاقا بجدران الذاكرة ، انه الشعور بالأمان الذي يغمر النفس عندما يزور المرء البيت القديم الذي عاش فيه والحي الذي ترعرع فيه ، والمدرسة التي تعلم فيها الأبجدية وحروفها ، يجسدها الحنين إلى ذكريات الطفولة ومرابع الصبا وذكريات الشباب ، وقد نسترجعها من صورة قديمة أو الجلوس تحت شجرة وارفة الظلال كنا نلعب تحتها في السنين الخوالي ،أو شجرة سدر تتعلق فيها أعشاش العصافير الصفراء ،أو نتذكر الماضي ونراه يتجدد في سيول الصيف المتدفقة في الأودية والسواقي ويغمر الأطيان الظامئة حتى ترتوي !!
كل منا يحن لهذا الماضي الجميل زمن الطفولة والشباب الخالي من المسئوليات والمخاوف.. كل منا يراها أيامًا دافئة في عمق العلاقات بين الأهل والأصدقاء والجيران . واليوم اكتشف العلماء ولأول مرة هذا الشعورnostalgie"" أي شوق وصبابة في الدماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي. واثبتوا أن الحنين إلى الماضي، من خلال استرجاع ذكريات أوقات مميزة في حياتك، أمر مهم جدا للصحة العقلية للإنسان.
جامعة "ساري" البريطانية، قالت في دراسة لها أن الحنين إلى الماضي يعطي شحنة إيجابية لدماغ الإنسان على اعتبار أنه يحرك عواطفهم. وتقول الدراسة "على سبيل المثال، أن المكان الذي يتزوج فيه الشخص يحمل أهمية عاطفية أكبر مقارنة مع صور حفل الزفاف تذكر الأحداث الجميلة"، حيث وجدوا من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي علاقة وطيدة بين الناس والأماكن، والتي غالبا ما يكون من الصعب وصفها لفظيا".
إنها حالة عاطفية يتم فيها استرجاع مشاعر عابرة ولحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية .
إن هذه الحالة نعمة من نعم الله على البشر، يصفها العلماء بأنها آلية دفاع يستخدمها العقل لرفع المزاج وتحسين الحالة النفسية، وهى تكثر في حالات الملل أو الألم بسبب نكران الجميل ممن أحبهم وعمل معهم أو الشعور بالوحدة خاصة عند كبار السن، فيقوم العقل باستدعاء ذكريات الماضي الطيبة بدفئها وعواطفها، فتعطيه تلك الذكريات الجرعة التي يحتاجها لمواجهة تحديات الحاضر.
والحنين إلى الماضي قد يمتد للماضي البعيد الذي لم نعايشه أصلا، يدفعنا إليه تلك الصورة التي نراها في صور وأفلام الستينات والسبعينات. أو على شكل حكايات سمعناها في طفولتنا المبكرة ، ولا ننسى روح الود بين أبناء القرية ، وأخلاق وشهامة الناس، والحياة البسيطة والذوق والأدب واللطف في المعاملة وفى الفنون، والحياة الهادئة ، والنفوس الصافية والقلوب الطيبة ، والترابط الأسري، والوجوه الجميلة البشوشة التي لا تفارقها الابتسامات دون كذب وخداع أو أقنعة مزيفة !!
ويشتعل الشوق حينما نصادف أو نتحدث إلى من كانوا أطرافا وشاهدوا عيان على الماضي الجميل حيث يشعرنا أننا عشنا حياة جميلة وسعيدة ، صحيح أن الأنفس قد تغيرت وأعمتها المصالح والكراسي، وأن الحضارة التي ألبست الناس أرقى أنواع الملابس، لكنها جردتهم بالمقابل من القيم الإنسانية!!
وأن التكنولوجيا التي جعلت من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة أقرب من حبل الوريد، لكنها انقطعت عمدا عن التواصل مع رفاق الماضي والحاضر وبرغم ذلك لا ينبغي أن يأخذنا الإسراف في الحنين إلى الماضي إلى الحد الذي يُفقدنا التعامل مع الحاضر وهدم المستقبل!!
والسؤال هو : لماذا كل هذا الحنين إلى الماضي ؟ يجيب عن ذلك اخصائي الصخة النفسية الدكتور عمار التميمي بقوله :
" الحنين إلى الماضي المثالي حيث الدفء والشعور بالأمان والتلاحم الأسري والوجوه الجميلة بتلك الصور العالقة بذاكرتنا بما تحمله من تفاصيل الطفولة والأصدقاء والجيران وأهل الحي ومدارسنا واساتذتنا الأجلاء الذي ما زال صدى أصواتهم قابع في آذاننا وبالرغم من جدية وقساوة بعضهم إلا أنهم كانوا يمنحونا شعور الأبوة الصادقة وحس المسؤولية" !!َ
والحقيقة ان الماضي انتهى وولى ولن يعود والمستقبل لا ندركه لذا فالعيش في الحاضر هو الحقيقي والاجمل ولا بأس بزخرفته بصور من الماضي لكي يشع الفرح في نفوسنا .
د. علوي عمر بن فريد