سوسن الشاعر تكتب:
«الإخوان» في الخليج
كشفت لنا أحداث غزة بقاء التنسيق والارتباط بين أفرع تنظيم «الإخوان المسلمين» في الخليج، وبين القيادات المركزية الإخوانية له رغم تنصل تلك الأفرع من التنظيم الدولي.
بل وكشفت أحداث غزة درجة تماهي تلك الأفرع مع دول أجنبية معادية كإيران، لما للقيادة المركزية الإخوانية من تنسيق بينها وبين طهران.
فهل ما زال هناك من قدرة وإمكانية لتلك الأفرع الخليجية على أن تشكل خطراً على الأمن في منطقة الخليج.. أم أنها فقدت زخمها وغدت فلولها غير قادرة على تحريك الجموع، مثلما كان عليه الحال قبل عشر سنوات؟
فبعد الربيع العربي - الجزء الأول منه - أي قبل عشرة أعوام، أعلن فرع التنظيم الإخواني البحريني، على سبيل المثال، التنصل من القيادة المركزية والتنظيم الدولي، خصوصاً أن المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين صنفت الجماعة على قائمة الإرهاب حين انكشفت تلك العلاقة السرية التي ربطت التنظيم بعدد من دوائر الاستخبارات الأجنبية، ودورها الذي لعبته في إحداث الفوضى ومحاولاتها لقلب الأنظمة، وتمت مطاردة الكثير من القيادات التي فرت من دولها والتجأت حينها لتركيا أو قطر.
ثم تراوح حراك الأفرع الخليجية للتنظيم في السنوات العشر الأخيرة بين صامت تماماً وباقٍ في فترة كمون، وبين نشط بحذر، وتعاملت الدول الخليجية مع كل فرع حسب علاقة مجموعته مع نظامه ما بين متحالف أو معارض.
أما حراك تلك الفلول الإخوانية - إن صح التعبير - فاللافت أنه ظل محصوراً في الشأن العام الخليجي المحلي للفرع في السنوات التي تلت تصنيف جماعتها على قائمة الإرهاب، فالإخواني في الكويت مشغول بهمه المحلي إن نشط كمعارض ولديه مساحة الحركة من خلال مجلس الأمة أو حتى ساحة الإرادة، وكذلك البحريني له أن يترشح نيابياً أو بلدياً أو ينشط عبر وسائل التواصل، أما في السعودية فقد تم كشف حجم مؤامرات «الإخوان» ودرجة التنسيق والارتباط بدوائر استخباراتية، كما ذلك أيضاً في الإمارات. وفي سلطنة عمان فكان «الإخوان» محدودي الحركة، أما الإخواني القطري فلا توجد له مشكلة ولا يجرؤ على النشاط المعارض حتى لو أراد.
وهنا تأتي أهمية ما كشفت عنه أحداث غزة من حيث درجة التنسيق بين الأفرع الخليجية بعضها البعض أولاً، لتتجاوز بذلك نشاطها المحصور في شأنها المحلي إلى الإعلان عن موقفها (الرسمي) بالقضايا الإقليمية، ففي الكويت والبحرين نظمت الجماعة بقياداتها التقليدية أو بصفوفها الثانية حراكاً في الشارع تبدى فيه احتفاظهم بالقدرة على تنظيم التجمعات وإدارة الجموع، والأهم حجم التنسيق والعمل المشترك بين تلك الأفرع تمثل في تزامن الوقت ووحدة الشعار.
أيضاً أثبتت الأحداث أن الاتصال مع القيادات المركزية، ما زال مستمراً رغم تنصل الأفرع من القيادة المركزية حين أعلنت الدول تصنيف الجماعة على أنها إرهابية.
لقد أثبت الحراك الميداني حجم التنسيق بين تلك الأفرع الإخوانية وجماعة الولي الفقيه الإيرانية في دولتي الكويت والبحرين، إذ تحركوا في الشارع في ذات التوقيت رافعين ذات الشعارات وكل منهم مؤيد للقيادات الدينية بفرعيها الإخواني والولائي، وهذا أخطر ما أثبتته الأحداث من أن موقفها موحد ومساند للقيادة الحمساوية تحديداً أكثر منه للشعب الفلسطيني، فكشفت بذلك وحدة موقفها السياسي مع القيادة الإخوانية المركزية، منفصلة بذلك عن الموقف الرسمي للدول الخليجية والمساند للشعب الفلسطيني، بعيداً عن خلافات الفصائل ومتجاوزاً لها، فكان موقف الحراك الميداني لـ«الإخواني» مضاداً ومعاكساً للاتجاه الرسمي وقد عبرت عنه جميع الأفرع الخليجية من الجماعة سواء بنزولها ميدانياً أم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مسانداً للقيادة الحمساوية تحديداً رغم علمهم بموقف هذا الفصيل من الأنظمة الخليجية.
نستنتج أن فلول جماعة «الإخوان المسلمين» في دول الخليج العربي ما زالت تعمل تحت لواء القيادة المركزية، وأن هناك تنسيقاً بين بعضها البعض، وأنها ما زالت قادرة على تحريك الشارع وما زال لديها إمكانية التنظيم والإدارة، والأخطر أن ولاءها للقيادة المركزية مطلق حتى لو اضطرها ذلك لاتخاذ مواقف معاكسة لسياسة الدولة التي ينتمون لها كما حصل في علاقتهم بالفصائل المدعومة من إيران، حيث التنسيق أصبح وارداً بحجة توحيد الصفوف الإسلامية تجاه العدو المشترك وهو إسرائيل، اقتداء بنهج القيادات المركزية، وفي ظل بقاء النهج الأوبامي وأثره على الإدارة الأميركية، فإن التحالف وتشجيع الجماعات الدينية في المنطقة، كان بحجة دعم الديمقراطية وتمكين الأقلية، ولا تزال الفلول الإخوانية الخليجية تشكل خطراً على أمن المنطقة واستقرارها.