حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):

إبتسامة بوريطا ونجاح الدبلوماسية المغربية !

تتفاعل المخلوقات الحية مع بعضها البعض من خلال إشارات إجتماعية ترسمها على الوجوه ، كنوع من أنواع التعابير المشجع بعضها على المضي في التواصل مع الغير، والمحذر بعضها الآخر من ذلك التفاعل وأخد الحيطة منه ، أو الإحجام والتوقف عنه ، وهي - الإشارات - عند بني البشر ، تتوزع في غالبيتها بين البشاشة والإبتسام التي حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإتصاف بها، وبين التجهم والعبوس الذي لا أدري لماذا تصر كافة المجتمعات العربية والإسلامية ، والمجتمع المغربي من بينها ، على أن يكون السمة الرئيسية التي تشتهر بها ؟ ويعمل رجالات الدين فيها على تلقينه للناس في كل احاديثهم وخطاباتهم الدينية ، رغم نهي الله عنه ، وتحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من مغبة تأثيراته السلبية على العلاقات الإنسانية ، بخلاف البشاشة التي تضفي على محيا أصاحبها الرونق والجمال والسماحة ، وتفتح أمامهم كل أبواب القلوب المغلقة ، وتسمو بنفوسهم وتنقي طباعهم ، وتزيل ثقل قلوبهم وكدر صدورهم، وتطرد عنهم وساوس الشحناء ، وتحل حبل البغضاء وتغسل أدران الضغينة ، وتمسح جراح القطعية ، وغير ذلك مما نراه في حياتنا اليومية من المزايا العميمة للبشاشة والابتسامة التي اعتبرها رسولنا الكريم صدقة -تبسمك في وجه أخيك صدقة"- تكسب الصادق فيها من صفاته النبيلة ، وتجعله من ألين الناس، وألطف الناس ، وأكرم الناس ، وأحب الناس ، كما هو حال ابتسامة ناصر بوريطة -وزير الخارجية والتعاون الدولي والمغاربة المقيمين بالخارج الذي عاشت الدبلوماسية المغربية خلال فترة توليه حقيبتها، أفضل مراحلها في التاريخ- التي اجتاحت مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الوطنية والدولية ، انطلاقا من حفل افتتاح القنصلية الأمريكية بمدينة الداخلة ، محاملة برسائل الود وخطاب المحبة ، وعربون للصفاء ، وإعلان للإخاء ، التي غطت على الاستقبال الباهت الذي حظي به "شينكر" خلال حلوله بالجزائر ، التي غرست إبتسامة بوريطة في صدور جنرالاتها ساهماً سامّة ، جعلت أعناقهم تنخر دما  -كما جاء في تدوينة الناشط الفيسبوكي محمد الرحاوي. 

فسبحان الذي جعل بوريطا بهذه الروح والطيبة والسكينة وحسن البشر وحلو البشاشة المنبسطة مع من حولها في أدب وتواضع خلافا لغيره من المسؤولين ، محليين كانوا أو جهويين أو وطنيين ،الذين يتصنعون تقوى الله - التي ينبغي أن تحكم سلوك المسؤول المسلم - بارتداء قناع التجهم والتشاؤم، ويتكلفون الجدية المصطنعة في القيام بالواجب المناط بهم إنجازه ، والعمل الذي يقبضون عليه راتباً سمينا ، بالفظاظة والغلظة والخشونة والبذاءة والتعجرف وقلّة الاحترام والأدب ، التي يحس معها المواطن بالإهانة والدونية ، وتثير بدواخله مشاعر الغضب والاكتئاب والتوثر وخيبة الأمل والإجهاد المؤدي إلى انعدام الثقة،  التي هي ،كما هم، من بين أهم أسباب وكسة الوطن والمواطنين وكل ما يخلق أجواء من الشحناء والبغضاء، ضدا فيما تتطلبه مباشرة المهام الوظيفية من مهارات التعامل وقدرات الانفتاح والاتصال المباشر مع الآخرين ، وفهم واحترام مشاعرهم وجبر خواطرهم. 

والحمد لله على أسلوب البذاءة والتعجرف وقلّة الاحترام والأدب الذي يتبناه بعض المسؤولين ،وهم كثر، ليس من شيم كل المسؤولين ، ولا احد يجادل في أن بلادنا حبلى بالكثير من برجالات دولة محنكين ، ومنتخبين  الوطنيين رفيعي المستوى ، مسؤولون مرنون ، يأنَسون ويُؤنسون ، يألفون ويِلفون ، وهمهم الوحيد وهدفهم الأوحد ، خدمة المواطن والارتقاء بالوطن ، في تغليب تام للمصلحة العامة على المصالح الخاصة ، في بشر ولياقة ولباقة تامة ، وإحسان في معاملة المواطن دون منٍّ أو تذمر أو تتثاقل أو تعجرف أو صراخ ، اقتداء بتواضع محمد السادس ملك البلاد الذي منَّ عليه الله بحسّن الخلق وليّن القلب ونوّر محيّاه ببسمة رائقة تفيض على شعبه بأنوار السكينة وترسل عليهم نسائم الأمن، والتي اتمنى أن يقتدي بنهجه النبيل  المسؤولون المتجهمون حتى لا يصيب عبوسهم الناس بالكآبة والحزن وتعكير الصفو، خاصة وهم يعلمون بأن العبوس و الغلظة ليست من الدين ، ويدركون في دواخلهم أن الناس جُبلوا على الميل والمحبة لمن يبش في وجوههم.