د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

خداع رجال السياسة.. سيد القرود قصة من التراث الصيني

بحثت طويلا  في مكتبتي عن  مفهوم  الخداع السياسي، وكيف يجيد السياسيون فن خداع شعوبهم ؟؟، فعثرت على حكاية صينية من القرن الرابع عشر للمؤلف الياباني ليو جي، توضح مفهوم الخداع الذي يتبعه حكام الشعوب لتجهيل شعوبهم، وترسيخ عملية التجاهل للقوى السياسية بمهارة شيطانية .
تقول الحكاية : كان يعيش في ولاية تشو الإقطاعية رجل عجوز، استطاع الاستمرار بالحياة من خلال احتفاظه بقرود لخدمته، وكان أهالي تشو يسمونه "جو غونغ" أي "سيد القرود". كان الرجل العجوز يجمع القردة كل صباح في ساحته ويأمر أكبرها بأن يقود القطيع  إلى الجبال لجمع وجني الفاكهة من الأجمة والأشجار، وكان سيد القرود يفرض على قردته قاعدة ان يقدم كل قرد منهم عشر ما جمع إليه، وكان يعاقب كل قرد يتخلف عن ذلك بجلده دون رحمة. كانت معاناة القرود شاقة، ولكنها لم تجرؤ على الشكوى، وذات يوم ، سأل قرد صغير القرود الآخرين قائلاً: 
هل زرع الرجل الهرم جميع أشجار الفاكهة والأجمة؟ فأجابوه، لا، إنها تنمو وحدها، ثم تساءل القرد الصغير:
 ألا نستطيع أن نأخذ الفاكهة من دون إذن من الرجل العجوز؟ فأجابوه: نعم نستطيع، فقال القرد الصغير:
 لماذا إذًاً نعتمد على الرجل العجوز، لماذا علينا أن نخدمه؟ فهمت القردة جميعها ما كان يرنو إليه القرد الصغير حتى قبل ان ينهي جملته، وفي نفس الليلة وعند ذهاب الرجل الهرم إلى فراش النوم حيث غطّ في سبات عميق قامت القردة بتحطيم قضبان أقفاصها جميعا، واستولت على الفاكهة التي كان العجوز قد خزنها وأخذتها إلى الغابة.. ولم تعد القردة إلى العجوز بعد ذلك أبدا، وفي النهاية مات العجوز جوعاً !! 
يقول يو لي زي :
"يحكم بعض الرجال شعوبهم باتباع الخداع، لا بالمبادئ الأخلاقية، هؤلاء الحكام يشبهون سيد القردة، فهم لا يدركون انه في اللحظة التي يدرك الناس أمرهم ينتهي مفعول خداعهم". 
انهم يجيدون ويتقنون أساليب الخداع، والمراوغة، والكذب، والغدر، والشك لاحتراف العمل السياسي..
يقول (جيمي كارتر) في مذكراته:
" السياسة هي ثاني أقدم مهنة في التاريخ بعد مهنة ( ....) وتشتركان في أسلوب واحد في التسويق، فكما أن "..... " تزين نفسها لجذب الزبائن كذلك الحال للسياسي. لذلك فإن أي محاولة لتفكيك رموز الخداع السياسي تتطلب قراءة استراتيجية من زوايا عدة ومختلفة، ليس أولها الابتعاد عن فن إشباع عواطف الجمهور الجاهل بالوعود الكاذبة وتجييره لخدمة مصالح السياسيين، وليس آخرها الابتعاد عن فن السيطرة والتحكم بالمجتمعات لمصالحها لاستغلالها أكبر مدة ممكنة".
 وفي اليمن امتهن السياسة كل من لا مهنة له ليس هذا فحسب بل وامتهنها كل أرباب المهن الأخرى  وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة التي تقضي بإيثار الكذب والخداع والتزييف والمراوغة والتسويف والدهاء والأنانية في تحقيق المطامح الشخصية من دون رادع أخلاقي أو ديني أو قيمي، بسعي محموم ومتواصل وبإصرار لتجهيل الناس وتزييف وعيهم بالشعارات البراقة والوعود الكاذبة المغلفة بالدين والتقوى والزهد والشعارات الوطنية الخ .. حتى  يكسبوا  معاركهم السياسية وحل  أزماتهم من خلال الزحف باتجاه الأطماع، تتملكهم الرغبة في التسلط والأنانية المفرطة التي حولت الفساد إلى ثقافة ممنهجة قابلة للتطوير لا للتطهير، وإجادة، استخدام فن التضليل، والشك، والغدر، والمراوغة والتدليس لتحقيق أهدافهم، انطلاقاً من مبدأ ان السياسة هي فن الخداع والمراوغة والإرهاب واللعب بمصائر الشعوب وليَّ أعناق الجماهير  كما يفعل الحوثيون في اليمن اليوم عندما قفزوا إلى السلطة بالقوة المسلحة  ودخلوا مجال   السياسة  وزخرفوها  بصرخات دينية  كاذبة تطالب بحق الولاية والاصطفاء المستمدة من أساطير الوهم  والكتب الصفراء منذ بيعة السقيفة التي يعارضها دهاقنة قم أسياد  الحوثيين ومن سار في ركابهم   وكل من ركب الموجة  ونسب نفسه إلى آل البيت حتى  لو لم يكن منهم ليحيوا الفتن والحروب لتتناسل  كل عام كربلاء جديدة لسفك دماء المسلمين و ليقوموا بلي  رقاب اليمنيين في عاشوراء من كل عام  وذنبهم أنهم فتحوا بلادهم للفارين المطالبين بدم الحسين  ومنعوا عنهم  سيوف بني أمية    !!
 وأخيرا وليس آخرا علينا ان نصنع من السياسة أعمدة لرفع أعناق الناس بالبناء والإعمار وصناعة السلم الأهلي وإشاعة العدل الاجتماعي والتسامح وعدم اجترار التاريخ وجلد ظهور الناس بالسواطير تكفيرا لذنوب لم يرتكبوها ودماء لم يسفكوها ، فهل يتعظ الحوثيون ويسدلون الستار على تلك الأحقاد والفتن  ؟ ولكن  الأرجح يقول لا لن يفعلوا  .. لأنهم أثقلوا أنفسهم بسفك دماء اليمنيين ونسوا أنهم آووهم في أيام العسرة وأنقذوهم من سيوف بني أمية ولم يعتبروا من التاريخ ولم يفكروا حتى برد الجميل لأهل اليمن لأنهم  ليسوا من أهله  !!
د. علوي عمر بن فريد