د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الحرب بين الحقيقة والتضليل
" في وقت الحرب تكون الحقيقة ثمينة جداً، الامر الذي يتطلب حمايتها بحرص شخصي من الأكاذيب"
ونستون تشرشل.
ويقال ان الحرب اولها كلام. والمواطن يجد نفسه امام سيل من الاخبار والمعلومات محشوة بالتناقضات وتضارب في الاخبار والمعلومات والاحصائيات والمعطيات ووجهات النظر. فالحرب النفسية تفرض نفسها على منطق الموضوعية والحياد، ويصبح كل طرف متورط في الحرب يعمل جاهداً لكشف ما يخدمه ويخدم قوته وتفوقه في الحرب، وهذا من اجل رفع معنويات الجيش والشعب وكل من يتعاطف معه، وضرب معنويات الخصم.
بينما الطرف الاخر في الحرب يخفي خسائره وضحاياه ويركز على النجاح والنتائج التي حققها. بطبيعة الحال ما دام ان الحرب خداع فإن كل شيء مباح للنيل من العدو ولو تطلب ذلك الكذب وممارسة الحرب النفسية والدعاية والتضليل والتعتيم.
فحرب الخليج الثانية كانت حرباً على مستوى العقول والافكار والرأي العام قبل ان تكون حرباً في الميدان واستطاعت اميركا بخبرتها وقدراتها الدعائية والتضليلية الفائقة على التحكم في عقول البشر من خلال التحكم في صور الحرب ووقائعها. فالمراسلون الذين قاموا بتغطية حرب الخليج الثانية كانوا يعتمدون في عملهم الاعلامي على توجيهات البنتاغون وعلى المؤتمرات الصحفية والبيانات التي كانت في معظمها تخفي اشياء كثيرة وتركز على اشياء اخرى ليست بالضرورة صادقة ودقيقة وموضوعية. هذه التبعية لا تسمح للصحافي ان يحافظ على نزاهته وموضوعيته،
ويعمل في الجهاز الحكومي الاميركي اكثر من 9 آلاف اعلامي وهناك اكثر من ألف و500 رجل اعلام وعلاقات عامة في البنتاغون. ورغم ذلك فإن الآلة الاعلامية الاميركية لم تفلح في عملياتها التضليلية والدعائية. وفي كل مرة يخرج آلاف الاميركيين يتظاهرون في مختلف مدن الولايات المتحدة الاميركية منددين بالحرب وعدم جدواها وامكانية تجنبها بطرق سلمية ودبلوماسية. لكن مع كل هذا نلاحظ اصرار صقور البيت الابيض وتجار الحروب والاسلحة على مواصلة سعيهم لتنفيذ خطط السيطرة والهيمنة على النفط العراقي وعلى المواقع الاستراتيجية في المنطقة يبقى ان نقول ان الصراع قائم دائماً بين الإعلام والدعاية والحرب النفسية والتضليل والتعتيم والتلاعب بالعقول في زمن الحرب.
سينتهي هذا الإعلامن أشهر أساليب الحرب النفسية ما يلي:
الدعاية:
عرف ليونارد دبليو دووب الدعاية في عام 1948 بأنها "محاولة التأثير على الشخصيات، والسيطرة على سلوك الأفراد لأهداف، وهي ذات قيمة مشكوك بها في المجتمع في وقت معين، وتعد الدعاية في الحرب النفسية شكل من أشكال التواصل والإعلام أساسه الإقناع، يبنى على الأكاذيب، والتشويه، والخداع، والتلاعب، والسيطرة على العقل.
الإشاعة:
وهي نشر معلومة مفبركة، لتتناقل من شخص إلى آخر، وعادة ما تستخدم تمهيدًا لهدف ما يحدده العدو، ومهما تصدى لها يبقى أثرها إن كان على الصعيد الإجتماعي أو السياسي، إذ تفقد الثقة ما لم تقدم أدلة تدحضها لإعادة كسب الجماهير.
يعتمد الغرض من الشائعة على نوعها، فثمة شائعة بقصد التخويف تدب في من يسمعها الخوف، وأخرى تطلق بقصد الأمل لرفع المعنويات، بينما الثالثة تهتم بنشر الكراهية وضرب الشعب، أو زعزعة ثقته بالنظام، ويرى بسانتا كروز وهو عالم نفسي في جامعة كاليفورنيا، بأن رد الفعل سيقنع الناس بحقيقة جديدة، كما ويتبع أسلوبًا آخر لدحض الشائعات وهو التجاهل.
التخطيط المسبق للحرب النفسية:
كانت تلك أساليب الحرب النفسية والتي أوجدت آلية لتطبيقها، وأسندها علم، فهي لم تستخدم بعشوائية، بل عن دراسة مستفيضة للخصائص الشخصية للمجتمع المستهدف، من خلال التلاعب لاحقًا بمشاعرهم، وكبث الكراهية أو الضعف، وقد ارتكزت تقنيات الحرب النفسية على تحليل نقاط القوة، وعليه تطورت الأسلحة النفسية، ومن أساليب التخطيط المسبق للحرب النفسية ما يعرف بالطابور الخامس الذي نشأ إبان الحرب الأهلية الإسبانية 1936م كفكرة للجنرال إميليو؛ وذلك بهدف تفويض الحكم الداخلي عن طريق نشر الجواسيس داخل المجتمع، وتسللهم إلى مواقع القرار السياسي والدفاع الوطني؛ لاستغلال مخاوف الناس ونشر الشائعات والمعلومات الخاطئة.
أمثلة على الحرب النفسية : من المُحتمل الشّعور بسوء فهم أو عدم وضوح لفهم معنى الحرب النّفسيّة عند البعض دون الإطّلاع على بعض الأمثلة والقصص الواقعية كتلك التي حدثت أثناء الحروب، وما نتج عنها من آثار تسببت بخراب بلدان، فضلًا عن كسب حروب بأقل الخسائر، وفيما يلي بعض من تلك الأمثلة لتوضح الصورة أكثر: ساهمت الإشاعة والدعاية في تفوق المغول وزرع الرهبة في نفس من ذكرهم، فأشيع أنهم آكلة لحوم البشر، وقد استخدم المغول أيضًا الحرب النفسية بأدوات قتالهم، وبناء أهرامات من جماجم ضحاياهم، والأكثر من ذلك صرخاتهم قبيل دخول أي بلد إشارة إلى نيتهم للقتل والنهب والاغتصاب.
حملة الدعاية الشيوعية المعروفة باسم الحرب الجرثومية، تلك التي دامت لعدة سنوات إلى أن كُشف بأنها كذبة، ونجحت بفرض الهدنة على الولايات المتحدة، ومن نتائجها فقد الأمريكيين الثقة بنظامهم الصحي الذي عجز عن مواجهتها أو حتى فرض تدابير وقاية إن وقعت حقًا.
إسقاط القوات البريطانية منشورات من الطائرات في خمسينات القرن الماضي على ميلاوي، وإعادة من يستسلم إلى الحصانة.
تتضح الدعاية كتأثير نفسي من خلال فيلم معركة "منتصف الطريق"، إذ تقصد توجيه الفيلم للشعب الأمريكي؛ وذلك لتعزيز الروح المعنوية ضد العدو والذي هو آنذاك اليابان، وهو فيلم عزز الروح المعنوية للأمريكيين، وأثبتت المجريات التاريخية نجاحه.
د. علوي عمر بن فريد