صلاح السقلدي يكتب:

تجويع وإذلال عائلات ضباط وجنود الجيش والأمن...من المسؤول ؟؟

يوشك الشهر الثامن على الدخول، وجنود وضباط  وزارة الدفاع(  وبالذات المنطقة العسكرية الرابعة عدن) ووزارة الداخلية، والأمن دون رواتب. رواتب أصبحت أساسا فُــتات تذروها رياح الأسعار، وتبعثرها خلال ساعات عواصف الإنهيار الاقتصادي والمالي العاتية، وأضحت معها الحالة المعيشة لهؤلاء بائسة الى درجة أن أصبح لا يـــمرُّ يوم دون أن نسمع عن حالة انتحار لضابط أو لجندي، وجريمة تــقترف بحق أسرة بكاملها من قبل عائلها، وكارثة اجتماعية تطالهم وتطال اسرهم، والسبب حالة الفقر والعوز ، بل أن ثمة بعض عائلات عزيزة كريمة تقتات خِـــلسة من مكبّـــات المخلفات، أو في أحسن حال تتوسل المساعدات  على أبواب أهل الخير، وعلى عتبات منظمات المساعدات الإنسانية، أما حالات المرض والعرض فمصيرها الموت والإذلال، فمن يأبه لهم؟. 

 
كما أننا حين نتحدث عن مأساة أفراد وضباط هذه المؤسسات العسكرية والأمنية وعن سياسة التجويع الممنهجة التي تقف خلفها عدة جهات  داخلية وخارجية- سنأتي على ذلكرها- فنحن  بالضرورة نتحدث عن انهيار مريع يضرب الصعيدين: الأمني والعسكري -وليس مجرد ضباط وجنود ضرر يطال،موظفين عاديين- الصعيدان اللذان يفترض أن يظِـلا بحالة أفضل من غيرهما من القطاعات الأخرى لأهمية دورهما، خصوصا في ظروف استثنائية كهذه التي نمر بها، وحتى في الظروف الطبيعية يفترض أن يظلا كذلك لعظَــمة وأهمية دورهما، ولما يشكل غيابهما كارثة على الكل وليس فقط منتسبيهما، كما أننا في ذات الوقت ونحن نتحدث عن هذه المأساة فنحن لا نتحدث فقط عن عشرات الآلاف من الضحايا بل عن ملايين، يعتمدون كليا على رواتب هؤلاء.
 
مؤسف أن نرى كل هذا الوجع الدامي دون أن تهتز للجهات المعنية- شرعية وانتقالي وتحالف- شعرة، ولا تحرك ساكنا... ولكن لماذا ستكترث هذه الجهات لمأساة لا تطالها شررها، ولا ينالها ضررها؟، فرجال هذه الجهات في رغيد العيش سواءً في الداخل أو في فنادق الخليج، وشاليهات مصر، وكباريهات أوروبا ومنتجعات تركيا الفارهة.  كما أن هذه الجهات ورموزها هي أصلا سبب المأساة وجذر المعناة فمن كان سببا في نشوء المشكلة لن يكون من عوامل حلها، بعد أن جعلت من  بؤس الناس وضروريات حياتهم من الخدمات والمعاشات أوراق سياسية فوق طاولة لعبتها السياسية السخيفة.
 
 فالشرعية تتحدث عن أوامر من الرئيس هادي موجهة للجهات المعنية ومنها البنك المركزي بسرعة صرف رواتب المذكورين، ولكنها في الوقت عينه، وبشكل غريب تقول ان هذه التوجيهات  يتم رفضها من البنك المركزي وتحديدا من نائب المحافظ. والبنك بدوره يتذرع بذرائع واهية يستعصي على إنسان عاقل تصديقها. فهل يعقل أن الشرعية بجلالة قدرها وهيلمان سلطانها وصولجان السعودية المُــسخّر لخدمتها تقف عاجزة أمام  ما تسميه بتعنت البنك المركزي ونائبه محافظه، وهي أي الشرعية التي عيّــنت هذا المحافظ ونائب، بقرارات جمهورية، وبوسعها أن تطيّــر بهما من كرسيهما بقرارات جمهورية أيضا وتأتي بغيرهما إن  هي أرادت لتوجيهاتها  حقا أن تُــحترم ،وللمظاليم أن يُــنَــصفوا.
 
 أما مبررات البنك المركزي فهي كما أسلفنا مبررات ركيكة تستخف بعقول الناس قبل بطونهم. فعلى سبيل المثال يقول أن من أسباب تأخر صرف مرتبات هذه المؤسسات يعود الى عدم توفر أموال ، وأ ن موارد المحافظات لا تورّد إليه ـ وأن آلية الصرف غير واضحة ويشوبها الشك بنزاهة الكشوفات. فيما مئات الملايين تخرج من داخله الى جهات مجهولة وملايين الدولارات تذهب تحت جنح الظلام الى صرافة المضاربة بالعملات,وبعضها الى خلف الحدود. كما  أن محافظة عدن - التي يقع ضمن جغرافيتها معظم أفراد الجيش " المنطقة الرابعة" والأمن والداخلية - هي الوحيدة من بين المحافظات التي تُــورِد يوميا وشهريا كل ريال من مواردها المالية الى خزائن هذا البنك. ثم أين تذهب الحاويات التي تصل تباعا من روسيا وهي تحمل تريليونات من الريالات اليمنية (طبعات جديدة) كالتي وصلت قبل أسبوعين الى البنك، بحسب مصادر من الشرعية نفسها؟ ونحن هنا نفند حكاية غياب السيولة النقدية.
 
وللتوضيح عن مغالطات البنك المركزي وضعف ذرائعه وبالذات ذريعة غياب السيولة النقدية نزيدكم من الشِــعر بيتا :  فحين أتخذ المجلس الانتقالي الجنوبي قرار الإدارة الذاتية القاضي بحجب موارد العاصمة عدن عن البنك المركزي كانت أصوات داخل هذا البنك  وخارجه تتحدث عن أموال طائلة لا تُــعد ولا تحصى  يستأثر بها الانتقالي لنفسه. فسبحان الله فأين ذهبت هذه الأموال بعد أن ألغى الانتقالي قراره واستأنف توريد موارد المحافظة لهذا البنك؟. 
 
كما أن التذرع بهكذا حُــجج تسقط  بسهولة وبشكل فاضح..   الحوثيون ظلوا يصرفون ويرسلون مرتبات كل المؤسسات بما فيها العسكرية الى كل المحافظات سواء الخاضعة لهم أو الغير خاضعة، واستمروا حتى بعد أن تم سحب منهم البنك المركزي الى عدن لقرابة عام، دون بنك مركزي بحوزتهم  ولا موارد نفطية ولا غازية ولا قروض ولا ودائع بنكية. الهزيمة الأخلاقية أسوأ أنواع الهزائم.
 
قبل أربعة أيام علّــقَ المجلس الانتقالي الجنوبي مشاوراته التي يخوضها في الرياض مع الشرعية بشأن استئناف تنفيذ أتفاق الرياض، والسبب  أن عدداً من قيادات جمعيته الوطنية القادمة من حضرموت وشبوة باتجاه عدن تم اعتقالهم من قبل سلطات محافظة شبوة. تضامن وموقف يشكر عليه الانتقالي، ولكن ألا يستحق ملايين الجياع المسحوقة بسبب توقيف مرتبات معليهم من الجيش والأمن منذ قرابة عام ذات الموقف وذات التضامن من المجلس الانتقالي الجنوبي؟.
 
وقبل هذه الجهات كلها يظل التحالف هو المسؤول الأول عما يجري من جرائم بحق الضحايا ومن مآسٍ وفظائع - على الأقل بحكم  وجوده كسلطة أمر واقع مهيمنة ومسئولة على هذه الجهات- مع أنه وفق قناعة السواد الأعظم من الناس راضٍ عما يجري، بل ويشجعه من خلف الستار لحسابات خاصة به وبمشاريعه المعلنة والمخفية.