د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
حقائق مغيبة من تأريخنا كيف ضاعت هوية الجنوب العربي؟؟ (2-5)
وقعت "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل " كما سمت نفسها وثيقة الاستقلال منفردة في 30نوفمبر 1967م ويمننة الجنوب العربي بمسمى "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية"!!
ورفعت الجبهة شعار : " كل الشعب قومية " وأقصت كافة الأحزاب والمنظمات.. وتنازلت عن التعويض البريطاني المستحق لشعب الجنوب كتعويض عن قاعدة عدن) 60 مليون جنيه استرليني )مقابل استلام الحكم !!!
وقامت بالتواطؤ مع بريطانيا بملاحقة كافة الرموز الوطنية من حكام وقادة أحزاب سياسية حتى من ساهم منهم في استقلال الجنوب العربي.
وكان اختيار التسمية للجمهورية الوليدة الإقرار بأن (الجنوب) أصبح جزءا من كيان (اليمن) رغم عدم وجود كيان سياسي يطلق عليه اليمن يجمعهم! !
ورفعت الجبهة القومية شعار "النضال من أجل تحقيق الوحدة اليمنية " الذي كان المسمار القوي الذي دق في نعش الجنوب العربي كتاريخ وأرض وانسان وهوية !!
اتخذت الدولة الوليدة طابع التطرف وبدلا من حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الملحة هربت إلى الشعارات الأيدلوجية!!
وانقادت للعنصرين اليمني والفلسطيني وخضعت للجناح اليساري الماركسي وقد كان يقود هذا الاتجاه (العنصر اليمني ) الذي زرع التفرقة والخصومة والتنافر بين العناصر الجنوبية حتى داخل الجبهة القومية، وتمكنوا من السيطرة على مفاصل الدولة وأركانها الأساسية مستغلين سذاجة وطيبة العناصر الجنوبية ومثاليتها في العمل السياسي والوطني
وشعارات العروبة والوحدة العربية رغم فشلها بين مصر وسوريا !!
وفي فورة الحماس العروبي تلك التي أعمت بصيرة المراهقين الجنوبيين وقلة خبرتهم وسذاجتهم تسللت العناصر اليمنية المأزومة في اليمن الأسفل وتمكنت من تأجيج نار الصراعات والثارات بين الجنوبيين وبدؤوا بالانقضاض أولا على المؤسسة العسكرية : الجيش، والأمن ، باعتبار منتسبيها جميعا من رجال الجنوب وتمثل ذلك في المؤتمر الرابع للجبهة القومية في زنجبار عام 1968م،.
وبدأ عمليا في 14مايو 1968م عندما تمرد يسار الجبهة القومية بقيادة سالم ربيع علي وعبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر على القيادات العسكرية والأمنية وطالب بجعل جماجمهم منافض للسجائر و جلودهم أحذية كما رددوا ذلك في شعاراتهم البغيضة بعد المؤتمر الرابع للجبهة القومية وقابلت القيادات العسكرية ذلك بحركة 20 مارس!!!
وأودعت معظم قيادات يسار الجبهة القومية السجون بما فيهم البيض وعبد الفتاح إسماعيل ..!!
إلا أنهم تمكنوا من دق إسفين الخلافات والصراع ألمناطقي وأحياء النعرات القبلية في مؤسستي الجيش والأمن بين العوالق ودثينه !!!
مما أدى إلى اعتقالات وتصفيات في تلك القوات لصالح قيادات اليسار..
وعندما شعر العوالق بالخطر قاموا بحركة 22 يوليو 1968م وطالبوا بالوحدة الوطنية، بالتنسيق مع أبناء ردفان والصبيحة، وقوبلت تلك الحركة بقمع الجيش والأمن ومن ثم إقصاء من تبقى من العوالق وردفان والصبيحة من مؤسستي الجيش والأمن، مما أدى إلى ثورة مسلحة ضد حكومة الجبهة القومية أنهك الجيش خلالها من الأعمال الحربية التي استمرت من 22يوليو 1968م حتى نهاية شهر سبتمبر1969م في كور العوالق... ,ولا زلت أتذكر زيارة أحد الضباط لأبي في منزلنا وهو يشرح لنا خطورة اليسار القادم بقوة إلى الحكم بعد أن دق اسفين الخلاف بين رجال الجيش والأمن من دثينة والعوالق ..وكان ذلك الضابط يشيد بشجاعة المقاتلين العوالق خاصة في وادي سرع وأقسم بجلال الله أنهم كانوا يطاردون الدبابات بالبازوكا وهي هاربة منهم !!!
وبذل أبي مع العقيد فضل عبدالله القائد العسكري السابق لقوات الأمن في نقل المخاطر لثوار الكور ولكن كانت الخلافات متشعبة بين الطرفين
وتلقف المبادرة اليساريون الهاربون وأوفدوا فريد أحمد مجور وآخرين للتفاهم مع ثوار الكور وخاصة المقدم بن لحمر الذي تفاهم معهم بحسن نية وانقسم ثوار الكور قسم منهم عاد والقسم الآخر غادر الى اليمن !!
وكان من نتائجها عودة يسار الجبهة القومية من تعز بقيادة ربيع وعلى إثرها حانت الفرصة ليسار الجبهة القومية للتخلص من بقية العناصر الجنوبية الأخرى في الجيش والأمن من دثينه وغيرها..!!
وأثمر ذلك الصراع عن قيام حركة 22 يونيو عام 1969م بقيادة سالم ربيع ويسار الجبهة القومية وتم إقصاء الكثير من العناصر الجنوبية عن الحكم وتم اعتقال قحطان الشعبي وابن عمه فيصل الشعبي ومعهم الكثير من الكوادر الجنوبية السياسية والعسكرية، وأودعوا السجون وتمت تصفية فيصل الشعبي داخل السجن ،وبقي قحطان رهينة مسجونا حتى مات قهرا ، واشتدت القبضة الحديدية على العناصر الجنوبية الفاعلة في الجنوب حين كان (محسن الشرجبي) على رأس جهاز أمن الدولة وهو " يمني من الحجرية "وقام بأبشع أنواع الاغتيالات السياسية تحت مسمى "فرسان القبائل" في كافة أنحاء الجنوب، كما تم تصفية الرموز الدينية والوطنية من كافة شرائح المجتمع، وتمت ملاحقة المشتبه في ولائهم، وتم طرد مئات العائلات ومصادرة أكثر من 65 ألفا من بيوت المواطنين في عدن، وصادروا آلاف المزارع الخاصة من أملاك المواطنين الجنوبيين وحتى قوارب الصيد !!
وخرجت المسيرات المؤيدة لإجراءات التأميم التعسفية التي أدارها الحزب بإشراف سالم ربيع والتي طالت المؤسسات الاقتصادية والخد مية الخاصة وتحويلها إلى ملكية الدولة !!
وتم توصيف الصراع بين الجنوبيين بقيادة قحطان وربيع بأنه بين اليمين واليسار في الجبهة القومية وتم تصفية الآلاف من أبناء الجنوب سواء داخل الحزب ومؤسستي الجيش والأمن والجهاز المدني وكل تلك الممارسات الإجرامية من طرد وفصل تعسفي كانت تجري خارج القانون أو بمحاكمات صورية بتنفيذ وزارة أمن الدولة !!
وتم قتل الكثير من المواطنين الأبرياء في مسيرات جماهيرية من قبل عناصر الجبهة القومية كما حدث في مدينة نصاب بالعوالق عدما تم تصفية نخبة من دولة العوالق العليا والسادة آل الحداد وعلى رأسهم العلامة الشهير السيد احمد بن صالح الحداد عام 1972م في نصاب ظلما وعدونا وكان على رأس تلك الجموع علي شائع هادي وحسن احمد باعوم وأحمد مساعد الجبواني وبمباركة سالم ربيع وعلي سالم البيض
وتبع ذلك تصفيات جسدية طالت خيرة الدبلوماسيين الجنوبيين عندما تم تفجير طائرتهم وهم في طريقهم إلى حضرموت في 30ابريل عام 1972م الذين اغتالتهم الأيدي الآثمة وعددهم 22 من رجال السلك الدبلوماسي الجنوبي والمثقفين والأدباء من أبناء الجنوب العربي في حادثة الطائرة الملغومة ومنهم:
محمد صالح عولقي، ونور الدين قاسم، وعبد الباري قاسم، وسيف احمد الضالعي ، محمد ناصر عبيد، عبد القادر أحمد ناصر السلامي، ومحمد عبد الولي والعشرات من الكوادر الجنوبية !!
وطالت حملات القمع والترويع آلاف المواطنين الجنوبيين حتى فر معظمهم من بلادهم !!
وبدأت مرحلة أخرى قادتها العناصر اليمنية في 26 يونيو عام 1978م وهي سلسلة متعاقبة لتصفية القيادات والكوادر الجنوبية وزرعوا التنافر والشكوك بين العناصر الجنوبية تحت شعار المناطقية التي تتعارض مع فكر الاشتراكية العلمية تحت شعار الصراع الأيدلوجي بين اليسار المغامر واليسار الحقيقي، وتمت تصفية سالم ربيع علي لاحقا ومعه جاعم صالح وعلي سالم الأعور والعديد من القيادات الجنوبية بصورة فجة بعيدة عن الأعراف و والتقاليد و الأسس القانونية بذرائع واهية، بعد أن تبين لهم أن سالم ربيع قد بدأ في مراجعة نقدية لذاته وفكر في البدء بتغيير سلوك النظام السياسي برمته وتصحيح المسار الخاطئ الذي سار فيه !!
والى اللقاء في الحلقة الثالثة
د. علوي عمر بن فريد