د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
هل يستعيد الجنوب العربي استقلاله ؟؟!!
ما زالت سحابة من الشك والتشاؤم تخيم على سماء الجنوب من فكرة أن يستعيد الجنوب العربي استقلاله، بعد الوحدة الفاشلة مع اليمن، أو حسب الأدبيات المتداولة مع اليمن !!
والسؤال هو : ما هي المشكلة في أن تكون للجنوب العربي دولة ؟؟، هل هذا غريب على منطق الأشياء؟؟ ألم تكن هناك في السابق دولة جنوبية تحت مسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؟ ألم يخرج الملايين من الجنوبيين في أكثر من مناسبة لتأييد خيار الانفصال عن اليمن؟ فأين تكمن المشكلة بالضبط؟
الجنوب العربي، وهذا هو اسمه الأصلي، وليس الجنوب اليمني الذي ألصقته به " الجبهة القومية "، لم يكن طوال التاريخ الحديث على الأقل، جزءا من اليمن الذي كان عبارة عن ممالك تاريخية قديمة لها كيانات مستقلة ، باستثناء فترات تاريخية محدودة تتوحد بالقوة وسرعان ما تنفصل بالقوة أيضا .. وكان آخرها الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عام 1990. وهي الوحدة التي أدرك الجنوبيون خطأهم فيها وحاولوا الانفصال من جديد، لكنهم ووجهوا بالحرب والقوة والإصرار على ضمهم ، وتسمية اليمن التي ألحقت بالدولة الجنوبية تعود إلى عام 1967، الذي استقل فيه الجنوب عن بريطانيا . عندما كان مشيخات وسلطنات وإمارات (بلغ عددها 20 تقريبا)، إضافة إلى محمية عدن التي كان لها وضعها الخاص. وكلها كانت تحمل أسماء إما تشير إلى المنطقة أو الأسرة الحاكمة أو القبيلة. وقد حاول البريطانيون ضم معظمها إلى ما بات يعرف باتحاد الجنوب العربي. لكن تسمية اليمن كانت خلوا منها جميعها. وقد أقحمها القوميون الذين كانوا يؤمنون بفكرة الوحدة، إلى الدولة الجديدة بعد سيطرتهم عليها وحين ننظر إلى الجغرافيا أو طبيعة السكان فإننا لا نجد أي شيء يربط محافظات الجنوب العربي باليمن والسؤال هو ما هو الشيء المشترك بين سكان عدن وسكان ذمار ؟ وما الذي يجمع المهرة أو حضرموت بصنعاء ؟ أو ما الذي يربط يافع والضالع بصعدة ؟ إن نسبة هذه المناطق لليمن لا يدعمها أي سند تاريخي، كما أن حدود مناطق الجنوب ثابتة ومعروفة ورسمية ولا توجد منازعات حدودية بين الجنوب العربي واليمن، والاختلافات الثقافية والقبلية والاجتماعية بين السكان هي الأخرى واضحة بما يكفي ، والأهم أن إرادة السكان في الجنوب واضحة ومؤكدة في الرغبة في الانفصال والعودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل عام 1990. فلماذا يتم تجاهل هذا الأمر والإصرار على الإبقاء على الوضع الحالي الذي ثبت أنه لم يجلب أي منفعة لا للجنوب ولا لليمن نفسه ، يمكن لأي محلل أن يفهم طبعا أن السياسة الإقليمية والدولية لا تحبذ فكرة استقلال الجنوب، لأن ذلك من شأنه أن يغير الكثير من المعادلات أو الخطط القائمة، كما أنه قد يخلق وضعا غير مريح لبعض الدول، فضلا عن المصاعب القانونية التي يواجهها !!
إن الانفصال لن يكون أمرا هينا. فهناك الكثير من المصاعب التي تعترض طريقه. هناك مصاعب اقتصادية جمة، تتمثل في توفير الموارد وإعادة إعمار المحافظات الجنوبية التي عانت من التهميش والحروب، وهناك مصاعب إدارية تتمثل في إعادة تكوين مؤسسات الدولة وإعادة الخدمات وما شابه ذلك ، وهناك اختلافات مناطقية أيضا داخل الجنوب نفسه. فمن جهة لا تزال توجد حساسيات في بعض المناطق (أبين وشبوة والضالع ولحج) التي تعود إلى كياناتها المنفصلة سابقا بالإضافة إلى حرب عام 1986 بين أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني وما تلاها، كما أن هناك مطالب قديمة بالاستقلال أو الحكم الذاتي في محافظة كبيرة مثل حضرموت والتي يعتبر سكانها أنهم الأقرب إلى دول الخليج وليس لهم علاقة بالشأن اليمني برمته ، ورغم ذلك فإن تلك المصاعب لا تصلح أن تكون مبررا لحرمان الجنوبيين من حقهم في تقرير المصير، إن هم أردوا ذلك، فهذا حقهم الطبيعي، مثلهم مثل أي شعب آخر!! و من واجب جميع الأطراف أن تحترم حق الجنوبيين في ذلك، وأن تهيء الظروف المناسبة لتحقيق انفصال سلمي وحضاري، كما حدث بين مصر وسوريا الوحدة نفسها، أو دول البلقان في يوغسلافيا سابقا ودون الحاجة إلى حروب ونزاعات ، ولكن المبدأ الأساسي يظل هو ضرورة احترام إرادة الشعوب وحقها في تقرير المصير .
د. علوي عمر بن فريد