د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

من قال أن الشعوب قد ماتت ؟؟!!

يتساءل الشعب أين ثورة الجماهير التي كنا نراهن عليها لإسقاط نظام صالح في اليمن ؟
وفوجئنا بتلك الجماهير تخرج معه وتصفق له !!
وعندما اختطف الحوثي الثورة الشعبية كانت " الجرعة " هي القشة التي كسرت ظهر البعير وخرجت الجماهير معه وقلبت ظهر المجن لصالح وخرجت تصفق وتهتف ضده مع الحوثي ، غيرت تلك الجماهير المزمجرة ولائها و لم تحطم القيود وتكسر الأغلال وتنقذ اليمن من المجهول؟ أمر محير ومفتت للأكباد بحق.. هل ماتت الأمة؟ لماذا صرنا إلى هذا الحضيض؟ شعوب تصفق لجلاديها وتخرج في مظاهرات وهم يلوحون بأعلامهم الخائبة لانتصار الحوثي مغتصب السلطة أكثر مما تخرج في تظاهرة تندد بعدوانه على أمتها ؟ ليس هذا فحسب بل وتقاتل معه منذ 7 سنوات !!
وفي حال ثارت الجماهير على جلاديها، تخرج الفتاوى من حزب الإصلاح بأن عليها السمع والطاعة وإلا ستكون خارجة عن الشريعة وشاقة لعصا الطاعة ومن ثم يجب محاربتها باسم الدين طبعاً.. وكان من جراء ذلك شيوع الأمثال الشعبية الانهزامية مثل: دع الملك للمالك.. خليك في حالك .. أنت لن تصلح الكون.. (أنا مالي)! ..من اخذ أمنا فهو عمنا ... هذه الأمثال وغيرها قد رسخت في ذهنية الجماهير جيلاً تلو جيل حتى صارت حجة عرفية لدى أي شخص وقديما قال الشاعر:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم** في النائبات على ما قال برهانا
فهل فينا مثل الأحنف بن قيس الذي كان يغضب لغضبه مائة ألف ولا يسألونه لم غضب؟! ونطرحها في عصرنا الحالي على النحو التالي : عدم ثقة الجماهير في القائمين على تنظيم هذه التظاهرات الشعبية فبعض هذه القيادات يملك حنجرة ثورية يهيج بها مشاعر المتظاهرين لكن نفس هذه الجماهير تعلم أن هذا القائد الذي يقودهم في تلك التظاهرة يتاجر باسمهم وهو مجرد كاتب تقارير للسلطة الحاكمة فصاحبنا متظاهر بالنهار.. وكاتب تقارير بالليل!!
فكيف يطمئن الناس إلى هذه القيادات الفضائية؟؟
لكن هناك قيادات صالحة بحق تقود هذه التظاهرات لكن لا حول لها ولا قوة أمام بطش قوى الأمن وكتاب التقارير الذين يقفون معهم في نفس المنصة أو يهتفون معهم في الميادين العامة!!.
ذكر السير أنتوني ناتنج وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية في حكومة رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن، وكان ناتنج صديقاً لجمال عبد الناصر في كتابه (ناصر) أن محمد نجيب المؤيد من الشعب سواء في مصر والسودان لم ينجح .. وناصر المؤيد من الجيش نجح.. والإخوان المسلمون استطاع ناصر أن ينتصر عليهم
اما في اليمن فقد خدع الإصلاح الجميع ولا زال حتى اليوم يطبق المثل القائل "يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي "
إن التدجين الذي تعرضت له الشعوب العربية جعلنا نجزم بأنها ماتت ..كنا على يقين أن الشعوب قد آمنت بقدرها وهو أن تبقى قطيعا يرعاها الذئب..وقد سلمنا بأنها شكلت في قوالب جامدة لن تعرف بعدها حركة ولا سكون..وذلت حتى نسيت أن كرامتها تداس كل يوم ..وظلمت حتى اختلط لديها الظلم بالعدل وشجعت الناس على قبول قدرهم والرضا بوضعهم لأن الفقراء أول من سيدخل الجنة..وأمرت بالصبر لأن الله مع الصابرين.. وقد أنفقت الأنظمة الملايين من أجل كرة قدم ملآى بالهواء حتى تفرح الشعوب بنصر مغشوش في غياب النصر الحقيقي ..وأنفقت الملايين على كل فن قذر والبرامج السخيفة المخدرة حتى يتلهى الجائع فينسى جوعه..ويتلهى المظلوم فينسى من ظلمه..ويتلهى المسلوب فينسى من سلبه ونهبه!! لم يحلم أي إنسان عربي أنه سيرى شعوبا عربية تثور وتزأر كالأسود..وتملك الجرأة والشجاعة الكافية لتقول كلمة حق عند الأنظمة الجائرة..لم نكن نحلم بأنه سيأتي يوم تتحرر الشعوب العربية من خوفها الذي سكن جلدها منذ قرون..وبكل بسالة تطالب الصنم بأن يغور وتطالب بكسر الوثن..لم يكن أحد في كل العالم يستطيع أن يتنبأ بأن يوما ما ستقف الشعوب العربية على قدم وساق وتندفع إلى الأمام بصدور عارية لا تخشى الرصاص ولا الدبابات ولا الطائرات ولا المرتزقة المدججين بكل أنواع الأسلحة..كل العالم قد أجزم أمره بأن الشعوب العربية قد خنعت وماتت لما رآه من
استبداد وظلم وقهر وجور وفساد!!
..من كان يصدق أن أنظمة حديدية بمدرعاتها وطائراتها وجنودها وأموالها ودباباتها ومرتزقتها وبلطجيتها وخيلها وجمالها وحميرها ستركع أمام الشعب العاري الذي لا يملك إلا الصحوة والاستيقاظ من سباته الطويل. ستنحني لهذا الشعب عندما زمجر
كنا نسمع أنه لابد للنائم من يقظة، ولابد للمظلوم أن يثور..ولكن لم نكن نصدق أن الأمر يمكن أن يصدق على الشعوب العربية لما عانت من تنميط وقولبة وتدجين وتهجين حتى ظن الجميع أنها فقدت هويتها العربية وصارت فقط تحسن البكاء على الأطلال فتفخر بإنجازات الأجداد وتنظر إليها كأنها فيلم خيالي يستحيل أن يتحقق من جديد
ولكن، إن أبت الأقلام أن تكتب شيئا على صفحات التاريخ، فإن دم الشهداء أقوى من أن يوقفه أحد أو يمنعه من أن يخط في كتاب التاريخ أقوى الملاحم معلنا أن الأوان حان لإسقاط الأنظمة الخائنة، وأن الشعوب مهما طال سباتها فلابد أن يأتي يوم تثأر فيه من جلاديها وتأخذ حقها كاملا وزيادة..وتقلب الطاولة لتنقلب الأدوار فيخرج الشعب من سجون الأنظمة ليفسح المجال لكل وزير خائن وعميل ظالم وكل سفيه ظن أنه في الأرض خالد وأنه إلاه مسلط على البلاد والعباد بالقتل والتشريد والفساد..وقد غاب عنه أن دوام الحال من المحال وأن لكل طاغية يوما وأن الله يمهل ولا يهمل وأنه مهما طال الليل لابد يبدده الضياء!!
د. علوي عمر بن فريد