على غرار نفط داعش وزبائنه، وفي تقرير للأمم المتحدة صدر في يونيو من العام الحالي، قدرت أجهزة استخبارات الدول الأعضاء المشاركة في أفغانستان مقدار مكاسب حركة طالبان فقط من تهريب المخدرات، بحدود 460 مليون دولار أميركي في 2020. هذا بند واحد يظهر إسهام الزبائن في إعاشة وازدهار الحركة في فترة كمونها المطولة.
ذكر التقرير أيضا أن الحد الأقصى لمدخول طالبان السنوي يبلغ تقديريا 1.6 مليار دولار، وأن العام الماضي جلب 464 مليون دولار للحركة من أنشطة التعدين وحدها.
هذه المبالغ بالكاد تكفي لإعاشة منسوبي الحركة وأسرهم، وهم بطبيعة الحال ليسوا كل تعداد أفغانستان، الدولة القائمة على المساعدات الخارجية.
إذن تكفي الموارد المتاحة ضمن المناطق المظلمة الخاضعة لسيطرة طالبان للطعام والمواصلات والعتاد العسكري، مما يجعل الحركة لا تصلح إلا لعمل ميليشيا التهريب القابلة للتحول السريع عند الضرورة المفاجئة إلى ميليشيا حرب عصابات.
الموارد التي تصب في خزائن الحركة، وتبرعات مريديها ومستغليها، وخبرة التمرس القتالي المتوارث والمتجدد، والإيغال في جغرافيا الجبال، كل ذلك يجعل من طالبان حالة خاصة ضمن الحركات المقاتلة حول العالم، لها نفس طويل يتفوق على الدفعات المتعاقبة للقوات المشاركة في حربها المطولة، من جنود أميركا والناتو.
تتفوق الحركة في تحدي الصبر، وأيضا في افتقار غالبية مواطنيها من غير منسوبيها إلى الشدة القتالية المكتسبة، أو صفة battle-hardened. هذه الصفة، إذا ما أضفيت عليها تعاليم الخطب الدينية الملهمة، والزراعة الأزلية للخشخاش، والخبرة المزمنة في خطف الأجانب والمساومة على الفدية، فإننا نجد أنفسنا أمام توليفة معقدة غير مسبوقة من السيكولوجيا الجمعية المتراكمة.
طالبان في كنهها تقمصات قتالية للخوارج والحشاشين والإنكشارية، ومحاكاة تهريب للمخدرات تنافس أعتى كارتيلات كولومبيا والمكسيك، وتخطيط للخطف والاغتيالات يوازي ما عند مافياوات الدول العريقة في الجريمة المنظمة كإيطاليا وغيرها.
وإذا كانت الحاجة أم الاختراع، فعشرية الاحتلال السوفييتي هي منشأ هذه الخبرات كلها، ناهيكم عن الحرب الأهلية الخمسية، ثم الحكم لخمس سنوات أخرى، تلاها عقدان من الاحتلال الأميركي والغربي.
هذه القدرة على المقاومة والنجاة والانبعاث، وإن كان مرحليا، هي أسطر لمهارات وخبرات إجبارية حفرتها الأمم الغازية لأفغانستان في السيرة الوظيفية والوجودية لهذا الفصيل الأفغاني، لذا لا يجب أن يقف العالم أمام سذاجة الساسة الغربيين عند تصريحهم بأنهم متفاجئون مثل سائر الناس، فليس ثمة مبعث للتعجب وقد ساهمت أقطاب متغلبة وتاريخ مطول في نجاحات طالبان المتكررة، وكلها ذات صلاحية إلى حين بروز ما يدعو الحركة لمعاودة الكمون.
لا يوجد بلد في العالم حريّ به البكاء على غياب الملكية عنه مثل أفغانستان، وهو دراسة حالة فريدة لفشل الحكم العسكري، والمحتلين على تنوعهم وتعاقبهم، وفصائل أمراء الحرب، وتغلب حركة واحدة لنيل الحكم، والوصاية الدولية الممتدة لعقدين، ولننتظر لنرى ما تسفر عنه عودة حركة طالبان في نسختها المطورة، وأي أطوار خبراتها سيحكم واجهتها السياسية: الانكشاري أم شبيه الكارتيل أم المافيوي؟ لأن ذلك ما سيحدد كيفية التعامل الدولي معها.