مشاري الذايدي يكتب:

وما زالت: «آفة حارتنا النسيان»!

حدث شيء مثير في السنوات القليلة التي سبقت هبوب رياح الفوضى العربية المسماة بالربيع العربي منذ ديسمبر (كانون الأول) 2010 عبر حكاية عربة بائع الخضار البوعزيزي، ثم انتقال الشرارة إلى مصر في يناير (كانون الثاني) 2011 وبقية القصة معروفة.
الذي حدث هو أن جماعات الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين طبعاً، ومن ينتمي إليهم بالمعنى الحزبي المباشر أو بالمعنى الفكري السياسي، أظهرت للعموم أنها قد طورت مفاهيمها نحو الانفتاح والتسامح والحوار وقبول الصيغ الحديثة للدولة والهوية والمواطنة... واعتبر كثير من الناس ذلك، بحسن نية أو بخبثها، أن ذلك دليل على أن التخويف من جشع الإسلاميين للسيطرة على السلطة، كذب مبالغ فيه.
لكن تبين لاحقاً أن الأجندة الحقيقية القائمة على امتلاك الحقيقة المطلقة وفق المفهوم الوصائي الأبوي الإلهي، ما زالت هي الأرض الصلبة التي يقف عليها الإسلاميون بكل أطيافهم، وأن هذه «الإكسسوارات» التجميلية ليست سوى حيل انتهازية تنطلي إما على البسطاء أو على الطامعين بركوب عربة الإسلاميين والتمتع بعطاياهم من السلطة.

الأمثلة توضح أكثر الصورة. الإخوان في مصر قبل الربيع العربي نشطوا مع التيارات اليسارية المدنية، ونتذكر دوماً صورة الناشط اليساري المصري جورج إسحاق وهو يضع يده بيد عصام العريان أو البلتاجي وغيرهم من قيادات الإخوان في ساحات القاهرة طلباً للديمقراطية ورفضاً لديكتاتورية مبارك، ومخاطبتهم، بلغة واحدة، للميديا الغربية كونهم طلاب الديمقراطية والديمقراطية فقط.
في الخليج نشط الإخوان خصوصاً إخوان الكويت في تقديم نجومهم مثل طارق السويدان بوصفهم متخصصين في برامج تطوير الذات وتنمية المجتمع وتقديم الندوات ذات الشكل الحديث في الغرف التجارية، وغيرها من الأماكن بهذه الهيئة دون الحديث السياسي التهييجي المعتاد، ونتذكر نجوم الصحوة السعودية وكيف تهافتوا على تقديم البرامج التلفزيونية على أهم الفضائيات السعودية عن تطوير الحياة والمجتمع الناعم المتناغم، وأن ذلك هو «حجر الزاوية» في المشروع... لكن وفجأة... طار كل ذلك مع الريح... حين استشعر الجميع فرصة الانقلاب الكامل على الواقع، ورأينا الوجه الخشن السلطوي الوصائي الثوري للقوم مع سقوط نظام مبارك وابن علي... إلخ.
هذا لا يعني أن الإنسان المنتمي إلى فكر وتيار محدد لا يمكن أن يطور نفسه ويغير أفكاره ويبدل انحيازاته، هذا كلام ظالم وجاهل، فكلنا يعلم مثلاً عن تحولات كثير من المثقفين العرب والمسلمين من اليسار لليمن، وأحياناً البقاء في الوسط - رغم نسبية هذه التعاريف - والعكس صحيح.
طه حسين كان أزهرياً، ومحمد عمارة كان يسارياً... وهكذا، لكن نتكلم عن موضوع آخر، وهو «تكتيك» معتمد بوعي سابق، للمناورة السياسية، وكما هو معلوم فالحرب خدعة، أو كما جاء في المثل الغربي، كل شيء مباح في الحب والحرب... ونضيف السياسة معهما.
هل ما نراه من كلام عن التغير والاعتدال من إسلاميي العجم هذه المرة، وليس من الإخوان العرب، حقيقي؟ أم بروفة جديدة للربيع الثاني؟
قال نجيب محفوظ: آفة حارتنا النسيان!