د. عيدروس النقيب يكتب:

هل انتصر الإسلام في أفغانستان؟؟

كان الحدث الأفغاني الأخير سبباً لحالة جدل فكري وإعلامي واسع في الأوساط السياسية والإعلامية بمختلف مشاربها، وسندع جانبا ما أبداه الكتاب والمثقفون المدنيون والعلمانيون في البلدان الإسلامية بعامة واليساريون على وجه الخصوص، وسنتوقف عند مواقف القوى والمنابر الإعلامية والمواقع الإلكترونية المعبرة عن قوى الإسلام السياسي وخصوصا تلك التي تسعى لإقامة دولة إسلامية سنية أو شيعية أو خليط من الاتجاهين أو من خارجهما.
ابتهجت معظم إن لم تكن كل الدول والقوى والأحزاب والتنظيمات والمليشيات التابعة لقوى الإسلام السياسي، شيعية وسنية، إيرانية وغير إيرانية باجتياح حركة طالبان للولايات الأفغانية واحتلال العاصمة الأفغانية كابول منذ نحو أسبوعين واعتبر كثير من تلك المنابر ما جرى انتصاراً للإسلام والمسلمين وهزيمة للكفر والكفار وعلامة على حتمية نهايتهما، وفي اليمن فعل الإخوان المسلمون والحوثيون والسلفيون نفس الشيء وسارع بعض هؤلاءا لإرسال برقيات التهاني إلى قيادة طالبان حتى قبل ان تعلن عن توجهاتها السياسية المقبلة.
في حقيقة الأمر إن التدخل الأمريكي في البلدان ضعيفة البنى المؤسسية والأمنية والعسكرية هو ظاهرة مقيتة وبغيضة بكل المعايير والمعاني، وهو (هذا التدخل) عبارة عن توجه إمبريالي استعماري لا خلاف حوله لدى كل أنصار الحرية والكرامة الإنسانية وحق الشعوب في تقرير مصائرها، بغض النظر عن المبر ات والأسباب التي يبديها منظرو الجناح المتطرف في المراكز الأمريكية لصنع القرار، بيد إن هذا التدخل الأمريكي في أفغانستان في العام 2001م لم يكن من فراغ، بل لقد جاء إثر أحداث ١١ سبتمبر التي زلزلت العالم وهزت أقوى إمبراطورية عظمى في العالم،  وشبهها البعض بلسعة بعوضة في جلد أسد هائج دفعته إلى المزيد من الهيجان وفعل ما فعل مع شعوب أفغانستان والعراق ومناطق أخرى من العالم، ويتذكر الجميع أن الجماعة التي نفذت تلك الهجمات كانت قادمة من أفغانستان وكانت تشكل مع حركة طالبان الأفغانية توأمة جعلتها تحتمي بطالبان أثناء حكمها لأفغانستان وتلقى الدعم المادي والمعنوي منها، وقد لاقى الحادث استنكارا عالميا وإدانات دولية شارك فيها معظم دول وعلماء ومفكري العالم بما في ذلك علماء مسلمون معتبرون، لسبب بسيط هو أن معظم ضحايا تلك الهجمات كانوا من المدنيين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالسياسات الاستعمارية الأمريكية ولا بصراعات أمريكا مع اعدائها.
 كما يعلم الجميع أن طالبان كانت رديفا لكل التنظيمات المصنفة علامياً كمنظمات إرهابية معروفة كالقاعدة وداعش وبوكو حرام وانصار الشريعة وانصار بيت المقدس وغيرها، وهي تنظيمات تنهج العمل المسلح ضد كل من يختلف معها، بما في ذلك الأنظمة والشعوب المسلمة في أكثر من بلد، وهذا ما يمكن بحثه في سياق آخر، لكن ما نحن بصدده هو ذلك التسويق لما جرى في أفغانستان على إنه انتصار للإسلام وهزيمة للكفر.
الحقيقة إن ما جرى في أفغانستان كان مجرد تنفيذ لاتفاق جرى بين الولايات المتحدة الأمريكية التي عرفت في تاريخها الكثير من السياسات الحمقاء تضمنت ما يمكن تصنيفه على إنه جرائم ضد الإنسانية وبين حركة طالبان كطرف في حرب أمريكا على أفغانستان.
لقد أدرك حكام أمريكا أن رئيسهم الأسبق جورج بوش (الإبن) مثل كثيرين من رؤساء أمريكا المتهورين قد ورط بلادهم في مغامرة خاسرة لم تنجح لا في محاربة الإرهاب (حسب التعريف الأمريكي) ولا في إقامة دولة متماسكة وقابلة للحياة ، ولو موالية لأمريكا في هذا البلد التعيس،ولا في تحقيق قدر ممن الاستقرار والنمو الاقتصادي والاستقرار الأمني، لذلك سارعت إدارة الرئيس الديمقراطي بايدن إلى طلب وساطة دولة قطر لما تتمتع به من علاقة طيبة مع طالبان لطلب اتفاق يضمن سحب القوات الأمريكية بلا مواجهة مسلحة وتسليم البلاد لطالبان بدون حتى اتفاق مع حكومة أشرف غني “أمريكية الصنع”.
هل هي نهاية الصراع في افغانستان؟
الذين يهللون لـ”انتصار الإسلام وهزيمة الكفر” يتكئون على مقولات الجماعات الجهادية التي سوقت كل العمليات الإرهابية على إنها صراع مع الكفار،وهؤلاء يتجاهلون جملة من الحقائق التي تقول أن أفغانستان لم تنتقل إلا من مرحلة منتهية من مراحل الحرب والنزاع والمواجهات المسلحة إلى مرحلة أخرى يتداخل فيها العرقي بالطائفي والقومي والسياسي بالآيديولوجي، ووحدهم المواطنون الأفغان من ترجموا هذا بتدافعهم بعشرات وربما مئات الآلاف على مطار كابول هربا من المستقبل المجهول الذي تحمله مرحلة طالبان، وأهم هذه الحقائق يخلصها المتابعون للشأن الأفغاني في ما يلي:
1. إن صراع طالبان مع أمريكا لم يكن يتعلق بالإسلام والكفر بقدرما يتعلق برفض الشعب الأفغاني للسياسات الأمريكية ذات الطبيعة الاستعمارية والقائمة على احتقار الشعوب ومحاولة تطويعها ومصادرة حرياتها ونهب خيرات بلدانها.
2. إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان جاء باتفاق بين طالبان والقيادة الأمريكية رعته ةهيلأا به الحكومة القطرية وقد لاحظنا كيف كان الجنود والضباط الأمريكان يغادرون مطار كابول تحت حراسة قوات طالبان وكان البعض يشيعونهم بالابتسامات وعلامات الود ترتسم على محيا الجتود الطالبانيين.
3. إن ما جرى في أفغانستان ليس نهاية الحروب والنزاعات في هذا البلد فالصراع هناك لا ينحصر بين أنصار أمريكا وأعدائها بل لقد جاءت طالبان نفسها في منتصف التسعينات لتدحر قوى وتنظيمات ومليشيات ذات خلفيات إسلامية وحكومة كان يديرها الإسلاميون ويرى الكثير من الباحثين والمحللين السياسيين أن أفغانستان مقبلةٌ على مرحلة جديدة من الصراع الداخلي بين التيارات والقبائل والفصائل التي تقدم نفسها جميعاً كقوى إسلامية.
4. إن ابتهاج تنظيمات وقوى وأحزاب ومليشيات الإسلام السياسي في أكثر من بلد بفوز طالبان على الحكومة الأفغانية المدعومة من أمريكا يشير إلى أن مرحلة جديد من انتعاش التنظيمات والأجنحة المتطرفة ستبدأ بالاتكاء على قاعدة سياسية وأرضية جغرافية وعسكرية سيوفرها الظفر الطالباني بالسيطرة على أفغانستان ويحذر الكثيرون من متابعي الشأن الأفغاني من مخاطر انتعاش تنظيمات القاعدة وداعش وشقيقاتهما قي ظل انتصار حركة طالبان، لكن لندع الأيام تبرهن هذا التوقع أو العكس، خصوصا وأن طالبان تحاول أن تقدم نفسها كنسخة جديدة مختلفة عن نسخة التسعينات التي لا تعرف الدبلوماسية ولا أنصاف الحلول.
5. وأخيرا وهذا هو الأهم إن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وتسليمها زمام الأمور لحركو طالبان لا يعني نهاية النفوذ الأمريكي في المنطقة ودخول أفغانستان مرحلة الاستقرار والتنمية، فأمريكا كانت بحاجة إلى تسليم البلاد لطرف مشاغب وغير مرحب به لا على الصعيد المحلي (الأفغاني) ولا على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإمريكا يهمها بقاء مناطق التوتر متوترة لا تعرف الاستقرار، لأنها بحاجة إلى مبررات للتدخل ولو بصور محتلفة عن تلك التي اتبعها ذلك الرئيس الأحمق جورج بوش الإبن.
وباختصار شديد: لا انتصار طالبان انتصار للإسلام ولا هزيمة أمريكا هزيمة للكفر ولا سقوط أفغانستلن بيد طالبان هو نهاية المأساة الأفغانية وإنما كل هذا لا يمثل سوى مرحلة من مراحلة التوتر في تلك المنطقة الحساسة والاستراتيجية من الكرة الأرضية.