د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
العصبية القبلية لازالت باقية في الذهنية العربية
كانت شبه الجزيرة العربية صحراء قاحلة إلا من بعض المدن الصغيرة والمراكز الحضارية والواحات الزراعية القليلة ، وكانت القبائل العربية تعيش في مجتمع قبلي وسط نزاعات قبلية وصراعات مستمرة، وتفشٍ للجهل والجريمة والقتل والفقر والعوز. وغياب للقيم وكانت ترزح تحت سيادة قانون العشائر والقبائل التي تفرق بين الناس على أساس الانتماء القبلي .
وعند نزول الوحي على سيدنا محمد صل الله عليه وسلم خاطب الله تعالى عباده بقوله تعالى :
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل"
لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " صدق الله العظيم .
إذاً فهي رسالة مساواة بين الناس لا فضل لقبيلة على أخرى في الخلق، ودعوة للحوار والتعايش فيما بينهم ، وتميزت حياة الإنسان العربي عن غيره بمزيد من الشقاء والمكابدة، حيث كان يعيش في الصحراء القاحلة، و كان يتنقل فيها العربي مع قبيلته من مكان الى آخر بحثاً عن الماء والعشب في سعيه للرزق، وكان يغزو وينهب ويسلب بدون وجه حق !!
لقد كانت القبيلة تمثل له الملاذ والملجأ والسبيل لتحقيق أمنه وطعامه. لذلك كان ولاؤه للقبلية سائداً على ولائه للوطنية. لم يكن مفهوم الدولة لديه شأناً ذا معنى !!
وقد تعاملت الرسالة السماوية مع العربي بناءً على تلك الظواهر التي كانت سائدة، انطلاقا من المدينة المنورة وصولا الى دمشق وبغداد وغيرها كانت تحض على مكارم الأخلاق، وعلى العمل الصالح والرحمة والتراحم والتعاون لتحقيق مزيد من الرخاء والعيش الكريم في ظل سيادة القانون الذي لم تغفله الرسالة السماوية من تشريع، وكان فيها حلاً شاملاً وشافياً لكل المعاناة والمكابدة التي كان يعيشها العربي. وامتدت الى فض المنازعات على أساس الحق والعدل والمنطق. وامتدت الى تنظيم علاقات القبائل والشعوب فيما بينها وبعد ذلك انطلقت الحملات التجارية بين الجزيرة العربية من جهة والشام واليمن من جهة أخرى في الانتقال من الحياة البدوية البدائية بقوانينها القبلية الى الحياة المدنية التي تنوعت فيها الأرزاق بالسعي والعمل، واختفى الفقر، وساد الاستقرار والأمن، نظراً للرخاء الاقتصادي، وانفتح المجتمع على غيره من المجتمعات الأخرى في تبادل للمنافع والمصالح، مصداقاً لقوله تعالى :
"لإيلافِ قريش إيلافهم، رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف "
وتقلص قانون القبائل لصالح نظام سياسي مدني تجلى في أوجه في دولة المدينة المنورة التي وضع أسسها صاحب الدعوة ومبلغ الرسالة السماوية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في وثيقة دستورية محكمة تقوم على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
وبعد أن استقر الناس في أوطانهم، وأخذوا يتنقلون داخلها سعياً وبحثاً عن الرزق، وتشكلت الدول والدساتير المدنية في تلك الأوطان، في إطار الرسالات السماوية ، وتشكلت أجهزة حفظ الأمن، وأجهزة القضاء التي تفض المنازعات بين الناس، لم يعد للقبيلة أو الحزب أو الطائفة أو العرق دور تقوم به تجاه الأمن وتحصيل الحقوق. ولم يعد للفرد أو القبيلة التي ينتمي إليها أن يقتص لنفسه أو تقتص القبيلة له حقه ممن اعتدى عليه، ولم يعد جائزاً له أن يطبق القانون من منظوره الشخصي !!
ولكن السؤال الملح الذي يطرح نفسه على المواطن العربي :
لماذا نجحت الأمم في ترسيخ مفهوم الدولة المدنية ونحَّت قوانين القبائل والأحزاب وأعملت قانون الدولة، وفشل العرب في ذلك الى هذا التاريخ وخاصة في اليمن ولم تذب المفاهيم القبلية والطائفية والحزبية والعرقية في محلول الوطنية، ولماذا ما زلنا نشهد احتراباً واقتتالاً بين الطوائف والأعراق والأحزاب والقبائل؟
الجواب :
إن بعض أنظمة الحكم العربية ومنها اليمن لم تنجح في ترسيخ الوطنية، وإذابة ونبذ العنصرية القبلية والدينية والحزبية للأسباب التالية :
- لا أحد يغفل تقسيمات الأوطان العربية السياسية والجغرافية على قاعدة سايكس بيكو من مستعمرين وهبونا استقلالاً منقوصاً للحفاظ على نفوذهم ومصالحهم، ورسخ المقسمون بناء على دراستهم للنفس العربية المفاهيم القبلية في المجتمعات العربية، حيث نشأت بعض الكيانات العربية الهشة عسكرياً وإقتصادياً على أساس أنظمة حكم قبلية، وحزبية توارثت العصبية القبلية وطبقتها في إطار الحزب، فأمين الحزب يبقى أميناً له حتى وفاته، وربما يرثه إبنه من بعده بعيدا عن الشريعة السمحة !!
- العامل الأهم هو فشل بعض الأنظمة العربية في تحقيق تنمية اقتصادية توفر العيش الكريم لمواطنيها، مما خلق تنوعاً في طبقات المجتمع، يفصل بين كل طبقة وأخرى هوة واسعة في مستوى المعيشة والدخل، ويثير مشاعر السخط والحقد والحسد، ويجعل الأمن المعيشي والأمن الذاتي في مهب الريح، ويعيق تطبيق الديمقراطية والحريات. فلا ديمقراطية ولا حريات في ظل الفقر والجوع وانعدام الأمن بكل نواحيه !!
- تكوين أنظمة أمنية وجيوش بعقيدة تصب في جل أهدافها لصالح بقاء النظام الحاكم وحمايته في المقام الأول، وتغليب أمن النظام على أمن الوطن والمواطن. فيصطدم الأمن مع المواطن وتنشأ بينهما عداوة تحت عنوان الأخوة الأعداء داخل الوطن الواحد. مما يفقد ولاء المواطن للدولة .
من هنا تراجع مفهوم الدولة لصالح مفهوم القبيلة في الأوطان العربية، وطغى مفهوم القبلية على مفهوم الوطنية، نظراً لدور القبيلة والحزب والطائفة وعلو كعبها على الدولة في توفير حياة ومعاش للمواطن في مخالفة واضحة لقانون الدولة الذي لا يُحترم، وتغض الدولة بصرها عن ذلك تحت ضغط وقوة التيارات القبلية والكتل الحزبية الفاعلة والطائفية المسيطرة عليها خوفاً من زعزعة كيانها المتململ تحت الضغوطات الاقتصادية والأمنية.
وتنمرت بعض الأنظمة العربية وخاصة في اليمن على القبيلة وأضعفتها من الداخل من خلال سياسة فرق تسد وفتحت باب الثارات على مصراعيه ليس هذا فحسب بل وتمد طرف بالمال والسلاح أوكليهما معا لتأجيج الفتن والثارات القبلية حتى تسيطر عليهما بل وتدمرهما من الداخل كما هو الحاصل اليوم في اليمن .
د. علوي عمر بن فريد