د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

هل تعود الذكريات، وماضينا الجميل؟ !!

و السؤال هو : هل ستعود تفاصيل حياتنا وذكرياتنا وماضينا الجميل كما كانت أيام زمان ؟!
وهي التي ما زالت ملتصقة في ذاكرتنا الجمعية رغم مرور السنين الطوال عليها واستعصى محوها ؟!
الواقع يقول إن التاريخ لا يعيد نفسه ولكن ربما قد يعود بصورة مشابهة ..العقل والمنطق يقولان إن التغيير إلى الأفضل لا يأتي بالأمنيات والأحلام ولابد من العمل والكفاح الطويل لتحقيقها وستبقى الذكريات بكل تفاصيلها بحلوها ومرها شاهدة على الزمن العاجز عن محوها وهي تجسد حياتنا منذ الطفولة في لمحات خاطفة ممزوجة بالفرح والألم تحتضن عمق مشاعرنا، وترتعش بها أجسادنا حين نتذكرها فذكرياتنا الجميلة لا تموت؛ تنبضُ في أرواحِنا ،وتبقى ملتصقة بقلوبنا نتذكرها وتظل متوسدة محفورة في خلايا الذاكرة ..تظل محفورة في مراتع الصبا تذكرنا كلما نسينا بساتين أبين الخصيبة وشواطئ شقرة البيضاء النقية كقلوب أهلها ..نتذكرها في بساتين لحج الخضراء الخصبة التي تلهم الشعراء والفنانين ويبدعون لها أروع الكلمات ويسكبون لها أعذب الألحان حتى شاع ذكرها في الآفاق عبر الأثير ورددها الصغار والكبار !!
في الجنوب الحبيب يبقى لكلّ مكانٍ بصمةٍ ولكل أغنية قصة ،بعضها ذكريات عاشها أصحابها والبعض منها ظلت مجرد أمنيات و أحلام معلقة وإن لم تتحقق ولكنها بقيت تلهب القلوب والعقول والتصقت أشعارها وألحانها و رسومها وعباراتها بذاكرة الماضي و تأبى أن يمحوها والتصقت بتلك الأمكنة، التي غادرها أصحابها ولكنها تظل حية نابضة في أوطانهم لا تمحوها السنين رغم أن أصحابها قد قضوا ومضوا ورحلوا ولكنهم خلدوا ماضيهم المرصع بأعمالهم وابداعاتهم بطموحهم وبطولاتهم، والأحداث التي واكبوا ظروفها وتعايشوا مع نتائجها؛ رغم الصعاب التي واجهوها و استوطنت أوقاتهم، ولكنهم تجاوزوها رغم عسف الأعراف والتقاليد التي حاولت فرض سلطتها عليهم وحرمان المجتمع من فنونهم وابداعاتهم !!

إنها تفاصيل احتوت أحلامنا جميعا و سيخلدها التاريخ وسيعطي لأرواحنا البقاء في حروفها وستظل معلقة في ثناياها حينما نكتب كلّ الذكريات بمخطوطاتٍ تحتضن عمق مشاعرنا، وترتعش بها أجسادنا حين تذكّرها !!
وسيبقى الوطن كلمة غالية داخل ضمائرنا تفجّر في أعماقنا ألاف الأحلام والذكريات والبطولات والتضحيات ؛ حينما نقف عالقين في بلاد المنفى البعيد أمام دنو شمس المغيب، وبحرٍ لا يشبه بحر العرب ولا ميناء عدن ،ولا جبال ردفان ولا يشبه قمم يافع ولا سهول أبين ولحج ولا سيول كور العوالق وكور العواذل التي تحمل الخير والخصب عند انحدارها لم ولن ننساها رغمّ الألم المحترق في شراييننا، رغمّ الهجرة القسرية التي فرضت علينا وبعثرتنا وشردتنا في أرجاء الكون ويكاد العمر يمضي وتغيب شمسه ولا زلنا نبحث عن وطن يشبهك يا وطني دون جدوى ولم نجد أجمل منك ولا بديلا يملأ أعيننا مثلك ؛ وأصدقك القول يا وطني أننا لازلنا نتمنى أن نشرب الشاي العدني حتى ليلة واحدة في مقهى زكو كما كنا أيام الصبا.. نتنمى أن نشم رائحة عقود الفل اللحجية في الزمان والمكان في عدن وتدخل أنوفنا دون استئذان كلما غربت الشمس ، نتمنى شربة ماء من كوز الفخار البارد من يد البائع الذي ينادي بأعلى صوته وهو يتجول في الشوارع مناديا " بان هيس " نتمنى أن نختصر كل المسافات التي تفصلنا عنك يا عدن يا درة المدن وايقونة التاريخ ومهما قست علينا وعليك الأيام والليالي وصروف الدهر وعاديات الزمن فشريط الذكريات لا زال حيا في قلوب كل المهاجرين من أبناء الجنوب عامة وعدن خاصة و في كل شارع قصة، وفي كل حارة رواية لا يعرف حقيقتها سوى أهلها وأصحابها، ولكلّ بيتٍ ذكريات حيث بقي البعض من أهلها متشبثون بجدرانها ، أما البيوت الخالية من أهلها فقد آ لت إلى السقوط وأصبحت أطلالا تحنُّ إلى ساكنيها وأصواتهم، ربما همساتهم في الليل الحالك السواد وطقوسهم وأحلامهم التي تنسجها أمانيهم وصلواتهم ودعائهم كل مساء وفجر كل يوم ،ولكل قصة نهاية ورحمة الله وسعت كل شيء وهو القادر وحده أن يبدل الحال إلى أحسن منه اللهم آ مين .
د. علوي عمر بن فريد