د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

خواطر من الذاكرة.. هل ضاعت الأمانة بين الأمس واليوم؟

الأمانة حمل ثقيل ذكرها الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم فقال :( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) صدق الله العظيم - الأحزاب.
أين كنا بالأمس ، وأين أصبحنا اليوم ؟؟!!
من الموروث الحضرمي قرأت لكم هذه القصة التي حدثت قبل نحو مائة عام تقريبا بعد أن تم شق الطريق بين الشحر وتريم قام أحد التجار الحضارم من الشحر ببناء دكان في الريدة وكان بدون أبواب ، وقد وضع بداخله كل ما يحتاجه المسافرون وأصحاب السيارات من مواد وكان منها :
الرز واللخم والتونة والطماطم والبصل والثوم والسليط وزيت السيارات ومستلزمات البنشر الخ ..
ووضع صندوقا مغلقا له فتحة صغيرة لإيداع النقود قيمة البضاعة كما وضع دفترا وقلما لتسجيل البضاعة لمن ليس لديه نقودا يستدينها لحين ميسرة ومن ثم يسدد قيمة ما اشتراه من الدكان !!
وكان أصحاب السيارات هم من يبلغ صاحب الدكان بالبضائع الناقصة من الدكان أولا بأول ويرسلها معهم الى الدكان !!
وفي نهاية كل سنة يقوم بجرد الدكان ، وكانت نسبة الفائدة كبيرة ولم تسجل أي سرقات ؟!!
واليوم ماذا يجري من عبث بالأمن ليس في عدن بل في الجنوب كله حيث لا أمن ولا أمان ولا سلطة موجودة على الأرض تحمي المواطن من عبث البعض الذين يستغلون مراكزهم في الدولة الحاضرة شكلا والغائبة مضمونا والضحية هو الوطن والمواطن !!
ماذا يحدث اليوم في عدن ؟؟!!
سنضرب أمثلة مقاربة لما يحدث في عدن اليوم حيث ظهرت على السطح هوامير الفساد تعبث وتبسط وتستحوذ على الأراضي وتشوه وجه عدن الجميل بالردم والبناء العشوائي دون تخطيط ولا حسيب ولا رقيب لم تحصل في عهد جبروت الحرس الجمهوري والأمن المركزي وجحافل الغزو الشمالي التي دخلت عدن بالقوة الغاشمة ولم يجرؤ السقاف وزبانيته وعيال الأحمر في عز بطشهم وجبروتهم على العبث بأراضي عدن كما يجري اليوم من انتهاكات وبسط على الأراضي ، ومع الأسف الشديد استغل البعض من الجنوبيين سلطاتهم لنشر هذا العبث في عدن باسم التشدق
بالنضال والتضحيات ولم تسلم ساحة خالية أو حتى مملوكة بصكوك شرعية من النهب والسطو الا ونهبوها وبسطوا عليها بالقوة دون حياء ولا خجل من تضحيات الشهداء لتحرير عدن من الغزو المتكرر عام 1994م وعام 2015م !!
ولنا سبع سنوات من الحرب الضروس كسب الكثيرون من تجار الحروب مئات الملايين من الدولارات في الجانبين الشرعي والحوثي وغيرهما والشعب يعيش على الكفاف !!
وهنا تحضرني واقعة أخرى بزاوية 180 درجة حول أراضي عدن ابان الاستعمار الإنجليزي لعدن في الستينات :
كان لحصول الشيخ محمد فريد العولقي، وزير الخارجية الاتحادي على قطعة أرض في عدن حكاية سيصعق لها من يقرأها هذه الأيام، حيث استغرب المندوب السامي البريطاني عندما علم من الشيخ محمد فريد بأنه يسكن عمارة الكاف (العمارة الخضراء) بالمعلا وأنه حتى لا يملك قطعة أرض ليبني عليها مسكنا خاصا ، فأوصى بقوة منحه قطعة أرض وطال انتظاره لست سنوات، حيث حصل عليها عام 1967م ورغب في بناء مسكن له وكانت تحويشته تقل عن 300 ألف شلن فنصحه الشريف حسين بن أحمد الهبيلي وزير الداخلية الاتحادي بأن يصرف النظر عن البناء لأن بريطانيا قررت التخلص منهم وأن هذا المبلغ سينفعه للطريق وفي الاستقرار في أي بلد عربي مع أفراد أسرته.. وتحققت كل قراءة الشريف الذي كان الشيخ محمد فريد العولقي والعميد محمد علي باشراحيل يريانه بأنه كان في مستوى دهاء وحنكة الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز, يفيد الشيخ صالح في شهادته للتاريخ: «مساكين سلاطين الجنوب.. لقد فضحهم الرحيل الأخير.. كان الشريف حسين أسعدهم حالا.. أما البقية فقد كانوا بائسين.. كان أبو طه موجودا في مطار جدة عند وصول السلطان فضل بن علي العبدلي وحاشيته الكبيرة.. أبو طه من الوهط لكنه غادرها في الأربعينات من القرن الماضي وكان يدير أعمال ولي العهد آنذاك خالد بن عبد العزيز، رحمه الله وكان أبو طه يملك سوبر ماركت كبير.. فأخذهم إلى أحد قصور الملك خالد المهجورة وأسكنهم هناك وكان ينفق عليهم من السوبر ماركت، لأن السلطات السعودية بدأت تلتفت إليهم بعد مرور ستة أشهر, أما أسرة آل فريد فلم يملك أفرادها إلا مبالغ ضئيلة لا تكاد تذكر (في الحد الأدنى ستة آلاف وفي حدها الأقصى عشرة آلاف شلن) ولولا لطف الله بأن سخر الشريف حسين لنصيحة النجل الأكبر للشيخ فريد بن محسن( الشيخ محمد فريد) بأن يحافظ على ماله لعاديات الزمن لكان الله وحده أعلم بما كان سيحدث لهم .
رحم الله أيام الاستعمار ورحم الله أيام السلاطين الذين تحملوا كل الإساءات ووزر المراحل وهم أبرياء براءة الذئب من دم يوسف والله على كل ظالم ومن يسلم في عقاب الدنيا فعقابه ينتظره يوم القيامة والله المستعان .
د. علوي عمر بن فريد