د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
عندما تموت المروءة تستباح الأوطان
في هذه الأيام يملأ السحت الحرام واموال اليتامى ، صدور القتلة بالأوسمة والنياشين وكروش اللصوص والمفسدين ، في حين يملأ صدور الشرفاء والمخلصين رصاص العملاء وخناجر الغادرين ، حتى اصحبنا لا نرى هؤلاء الخونة والسرق على اسوار المنازل في الليل ، بل العكس وللأسف الشديد نراهم خلف مكاتب فخمة في النهار ، أي قدر سيئ هذا الذي نعيشه اليوم ؟ واي رجال هؤلاء الذين لا تجد من عرق الحياء ما تنضحه جباههم ؟ ونحن على يقين ان هؤلاء ليس لديهم فارق بين حرمة الدار وعثرة الحجار ولو دخل غريب اسوار بيوتهم وغرف نومهم وقد حدث ولم يبالوا !!
ولم نجد فيهم من يهتز له شارب او يرف له جفن ، لان هؤلاء لم نجد في قاموس حياتهم مكانة للشهامة والمرؤة ، لانهم ممن ينطبق عليهم وصف الذكور ، لكنهم ليسوا سوى اشباه للرجال ، ولو زجرتهم ذات مرة او حدقت في عيون احد منهم ، فاعلم انك ستجده ذليلا امام باب دارك ينتظر عودتك راكعا امامك ، منحنيا لتقبيل يدك ، طالبا العفو والرضا منك .
بسبب هؤلاء تمزقت الأوطان وبعهرهم ذبح أصحاب الخلق الرفيع وبعمالتهم وبخيانتهم قتل المسلم بسيف وراية ، كتب الله اسم اشرف خلق الله من خلقه الله ، في احسن تقويم تلك ، بوقاحتهم أصبحت راية الوطن خرقة ممزقة تترنح فوق سارية الاقزام الرخيصة ، فاقدة الوقار والمقام ، مكسورة راكعة الهامة والشموخ ، عاقرة لسند الرجولة ، متراخية عند مكبات القمامة ، لان عودها فاقد الايادي القابضة بعزم واقتدار ، بانحدار هؤلاء أصبحت راية الوطن كثياب الفقراء التي تشتكي من الرقع والشقوق فتحز في الانفس والقلوب حالها المقيتة مما يجعل التمني شافعا لحرقها بالنار حتى لا تبقى طويلاَ في فيافي المهازل .
أي عهد هذا الذي يفقد الغيرة والنخوة والرجولة ؟!!.. أي عهد هذا الذي يحاصر فيه الوطن ويسجن على يد قيادات اقزام الرجال بأوزان العهن المنفوش والتي لا تبالي بالمذابح التي تطال الأبرياء في عقر دارهم دون إحساس بالعار ؟!! فأصبحت دماء أهلنا رخيصة ، كرخص زبد البحار ، ضعف ليس بعده ضعف .. وهزال ليس بعده هزال ، انها اذن عجائب الأقدار التي تموت فيها المروءة وتستباح فيها الأوطان.
كيف لك أن تكون وطنياً في بلد يحكمه القتلة والمجرمون واللصوص والمستبدون، فالوطنية الحقيقية لا تنمو وتزدهر لتثمر أمنا واستقرارا ورخاء، إلا إذا تنفست نسائم الحرية، وكانت عامرة بالأحرار والشرفاء ،
والطغاة يصنعون منافقين وكذابين ومرائين.
لهذا أصبح النفاق ديدن الكثير من الناس ، فغابت الوطنية الحقة، وأصبح الكذب والدوران والفبركة والتظاهر بالوطنية شعار المرحلة.
ألسنا نعيش اليوم أكثر مراحل تاريخنا بؤسا وتخلفا وظلاما وقهرا، بسبب تكالب الحروب والأزمات علينا، أليس اليوم هو يوم اللصوص والدجل وبيع الكلام على السذج ؟؟!!
الناس في وطني باتوا أسرى هزائمهم في حروبهم الدامية ضد همومهم الحياتية، فالمواطن محدودب ظهر من أحمال ثقيلة وأزمات اقتصادية وفرض مزيد من الضرائب ورفع الأسعار عليه، يقتلونه أكثر ما يطعمونه، أفقدوه القدرة على أن يذهب بأحلامه أبعد من السلع التموينية والماء الشحيح رغم تلوثه، أو البحث عن فرصة عمل كريمة وهي في سديم العدم !!
أنا لم أرَ في بلادنا اليوم إلا أبطالاً في قبور ولصوصاً في قصور، وأغنياء على ذل الفقراء يغتنون، يظلون يبتلعون، وبالدين يقتلون ويكفرون، و استغلال الدين لتثبيت حكمهم، وإبقاء الشعب في حالة فقر وعوز دائمين حتى يكدح الشعب وينشغل بطلب العيش ونشر الرذيلة والعهر في المجتمع، وتفكيك المجتمع أسرياً وقبلياً.
أصبحت بلادنا بلا كهرباء وبلا مياه وبلا دولة، عرفت شهداء وشجوناً وأحزاناً وشجعاناً يُغتالون الإنسان فيها يرخص ويعلو كل شيء عداه ويموت، فيُنسى أسرع من الموت!!
وطني الحبيب، لقد ذبحوك من الوريد إلى الوريد، لقد جففوا ينابيعك بحقدهم وحرقوا حقولك بشرورهم مصّوا دمك، وأكلوا لحمك وشحمك ولم يبقوا لك إلا الجلد والعظم، باسم الله شوهوك، باسم الحب قتلوك، وباعوا ترابك وهواءك وماءك وكبرياءك ومع ذلك يصفقون لك وينشدون عاش الوطن، يقتلني كذبهم ويزلزلني دجلهم أولئك الذين جيوبهم مع الوطن وسيوفهم على الوطن، يغنوّن للوطن ويقبضون الثمن يحرقون الوطن ويقبضون الثمن.
د. علوي عمر بن فريد