د.علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الأندلس الفردوس المفقود (3-3)
"سرقسطه "غادرنا برشلونة في التاسعة صباحاً على متن حافلة فاخرة كانت تقل حوالي (45) سائحاً من جنسيات مختلفة أغلبهم من كبار السن من فرنسا، البرازيل، الأرجنتين، أمريكا وغيرها وكنا الأصغر سناً في المجموعة بكاملها ، وقد لاحظت أن معظم كبار السن ترافقهم زوجاتهم المسنات أيضاً ولا زال النشاط والحيوية والألفة تسود علاقاتهم .
وصلنا "سرقسطة" أو "زارغوزا" عاصمة منطقة" أراغون " في شمال شرق إسبانيا والتي تقع على نهر "إبرو" وقد قال عنها أحد المؤرخين :
"هي قاعدة من قواعد الأندلس، كبيرة القطر، آهلة، ممتدة الأطناب، واسعة الشوارع، حسنة الديار والمساكن، متصلة الجنات والبساتين، ولها سور حجارة حصين، وهي على ضفة نهر كبير، يأتي بعضه من بلاد الروم، وهي مدينة بيضاء لكثرة حصاها ، ومن خواصها أنها لا تدخلها حية البتة، وإن جلبت إليها ماتت، اسم المدينة مشتق من اسم قيصر وهو الذي بناها"
وصلنا "سرقسطة" في الواحدة ظهراً ودخلنا كنيستها كأحد المعالم السياحية المدرجة في رحلتنا وتجولنا فيها وفي الساحة الخارجية ثم شاهدنا نهر "إبرو" الذي يخترق المدينة .. ثم نزلنا في فندق "راميرو" وتناولنا طعام الغداء في الدور الأرضي .. وأبلغت المرشدة السياحية إدارة المطعم إننا مسلمون عرب ولا نأكل لحم الخنزير وأحضروا لنا وجبة سمك .. وكان معظم سكان هذه المدينة إبان الحكم العربي للأندلس من اليمنيين !!
إلى مدريد :
غادرنا "سرقسطة " في طريقنا إلى مدريد في السادسة مساء وكان الطريق يتدرج بنا صعودا عبر الجبال الشاهقة .. مناظر رائعة وخضرة دائمة تغطي سفوح الجبال والمنحدرات
وقد صادفنا أمطاراً متوسطة أثناء الرحلة .. السماء ملبدة بالسحب السوداء الكثيفة .. ويبرز في الأفق قوس قزح بألوانه الجميلة ..
الطريق ضيقة جداً لا تليق ببلد سياحي كإسبانيا، حيث لا مقارنة مع الطرقات السريعة الواسعة في السعودية فهي الأحدث والأوسع .
وصلنا "مدريد" عاصمة إسبانيا في التاسعة ليلاً، وقد شدتنا بأضوائها المتلألئة، ولم يمنعنا التعب من التجول في المنطقة المحيطة بالفندق .
في الثامنة صباحاً خرجنا مع المجموعة السياحية المرافقة للتجول في معالم هذه المدينة التاريخية والتي تعد من أكبر المدن الإسبانية بعد لندن وبرلين، وفيها مقر الحكومة والعائلة المالكة.
تقع مدريد في وسط إسبانيا ويخترقها نهر صغير ويدعى "مازانارس " وإلى الشمال الغربي من مدريد تقع جبال" سييرا دي غوا دا راما" التي يصل ارتفاعها إلى 2429 متراً ويرجع تأسيس مدريد إلى ما بين (852-886م) حيث تم إنشاء قصر صغير من قبل المسلمين لأحد أمراء قرطبة مكان القصر الملكي الحالي، وقد سميت المنطقة المحيطة بـ " ماجريط" أي المجاري منبع المياه
وقد سكنها المسلمون والمسيحيون وقلة من اليهود إلى أن تم الاستيلاء عليها من قبل الملك " ألفونسو الرابع" وقد تم تحويل مسجدها إلى كنيسة عام 1801م .
المتاحف والرسوم :
الزائر إلى مدريد يمكنه زيارة "قصر الشرق" ومتحفه الحربي، والذي يضم ملابس وأسلحة أبي عبدالله الصغير .. آخر ملوك الأندلس بغرناطة .. كما شملت جولتنا متحف "برادو" الذي يعد بحق من أهم المتاحف العالمية .. وسيعجب الزائر بالرسومات الرائعة لأشهر فناني إسبانيا مثال: رفائيل ..وروبينز، و موريلو، كما زرنا النصب التذكاري وكذلك الحي النمساوي والبوربوني، وكاتدرائية سان ايزيدرو التي تعود إلى القرن السابع عشر
وقد لاحظنا مدى اهتمام وعناية الشعب الاسباني وولعه بالرسم حيث ازدحمت قاعات القصور التي زرناها باللوحات الثمينة وخاصة في المتحف .
وقفت أتأمل وأقارن وأسأل نفسي : أين ذلك كله من حضارة مصر الفرعونية، واليمن، وسوريا، و العراق ؟!!
لا مجال للمقارنة..لدينا في الوطن العربي أوابد خالدة وحضارات تحاكي القرون والأزمان وتتحدى الدهر شامخة سامقة رغم عوادي العصور.
وفي معرض حديث المرشدة الإسبانية المرافقة لنا في الرحلة قالت : إن بلادها دفعت ثمناً خيالياً لاستعادة إحدى اللوحات من بريطانيا مقابل (990) مليون دولار!!
في المساء كانت جولة حرة للجميع .. خرجنا وحدنا نستطلع الأسواق والمراكز التجارية الفخمة وشاهدنا الملابس الراقية الصنع وقد اشترينا بعضا منها بأسعار معقولة...
وتتميز المراكز التجارية الكبرى في مدريد بطوابقها المتعددة حيث تصل أحياناً إلى عشرة طوابق .. ويختص كل طابق ببضاعة معينة مثل العطور، والأواني المنزلية، والأحذية، الملابس الخ .. والباعة خليط من الشباب والشابات الأنيقات والجميلات .
عدنا إلى الفندق للعشاء .. وقدم لنا أحد الجرسونات السمك حسب طلبنا وحيانا بالإنجليزية بطريقته قائلاً :- صباح الخير..! فابتسمنا ..وقلت له: لا .. بل قل مساء الخير !!.
قرطبة :
في الساعة الثامنة والربع صباحا انطلقنا إلى " بايلن "حيث وصلناها في الساعة الواحدة ظهرا ، وكان الطريق يمر عبر الجبال المكسوة بالأشجار الباسقة الخضراء وينحدر بنا الطريق عبر السهول الخضراء على مد البصر ..تتوزع فيه البيوت الريفية الجميلة ذات اللون الأبيض والقرميد الأحمر تتناثر وسط السهول كحبات اللؤلؤ الأبيض يدهش العين والفؤاد وفي تناغم مع ألوان وسحر الطبيعة الخضراء وينقلك إلى عالم من السحر والجمال حتى يخيل لك أنك تعيش خارج كوكب الأرض.
" مقتبس من كتابي مسافر عبر الزمن "
الحلقة الأخيرة
د. علوي عمر بن فريد