صلاح السقلدي يكتب لـ(اليوم الثامن):
ردنا على مَــن أقحم السياسة بالرياضة... حقائق تدمغ ادعاءات... أنظروا
لو كانت السياسة تُـــصلِحُ ما أفسدهُ الدهرُ -أو بالأصح ما أفسده الساسة والمفسدون ودهاقنة الدين وتجار القبور والحروب وأصحاب فكر الاستحواذ والهيمنة والنهب - لكانت الدنيا بألف خير وعافية ولتم معالجة كل أزماتنا بدورات كرة قدم وطاولة وسباحة ايضا طوال العام (رياصة×رياضة)، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يُــدركه,فالتمني وحده دون ان يشفع بصدق المقصد لا يسلّي ولا يحلّي ولا يعشي الحمار كما يقول الشاميون، فإرث الصراعات التي نعيشها بهذا الوطن أكبر وأثقل من أن تزيله مباراة كرة قدم في لحظة استثنائية نادرة الحدوث، فضلاً عن أن هناك من يتخذ من المناسبات الرياضية كما شاهدنا في مباراة المنتخب اليمني والسعودية مؤخرا بازارا سياسيا وحزبيا وجهويا لئيما لتسويق مشاريعه السياسية والحزبية والشخصية، لا الوطنية، مُستغلا العاطفة الجياشة التي تظهرها مثل تلك الأجواء دون توافر النوايا الصادقة لطي صفحات تلك الصراعات والانفتاح بعقول صافية وسرائر نقية تجاه الآخر.
فعل سبيل المثال لا الحصر هناك أفرادا وكيانات سياسية وحزبية انتهزت ذلك الحدث بشكل مكثف ومضلل لتصوير التفاعل الجنوبي بأجواء تلك المباراة بطريقة ضحلة تستغفل العقول بفجاجة لا نظير لها، وكأنه يعني قطعا أن القضية الجنوبية قد تبخرت وذرتها الرياح بمجرد فوز المنتخب اليمني على نظيره السعودية.
من يتذكر خليحي عشرين عام 2010م الذي اقيم في عدن وحجم توظيف الفعالية الرياضية في بلاط السياسة لمجابهة القضية الجنوبية وحراكها الثوري، فهل اثمر عن شيء؟ صفر من( الشمال).
فتلمس الوحدة اليمنية بين أقدام أحد عشرة لاعباً لهو دليلاً على أنه لم يعد لها وجود على الواقع وبات عشاقها ينشدونها ببالغدوة والأصال ولو ضربوا اكباد الإبل، وبحاجة لمن يبعثها من رماد عنقائها، ولن يفعل ذلك من ذبحها من الوريد للوريد، و أن التمني على الإجهاز على القضية الجنوبية بات في مرحلة اليأس والشيخوخة، ولم يبق أمامه سوى مباريات كرة القدم. فتفاعل الجنوبيون أو قل معظمهم مع المنتخب اليمني لا يعني أن القضية الجنوبية قد صارت في عداد الموتى و لا أن الملايين من ضحايا عهد 7 يوليو1994م قد انتهت معانتهم، وولجوا عهدا جديدا من الرفاه ورغد العيش بمجرد الظفر بكأس غرب آسيا للناشئين، فالرياضة عابرة لقارات السياسة ومحيطات الحزبية والطائفية وحدود الجغرافيا،أو هكذا يجب أن تكون. وإلْا لكان ملايين من البشر في شرق الأرض وغربها من مشجعي فريقي برشلونة والريال مدريد هم مواطنون إسبان وناكري لأوطانهم وقضاياهم، وسمن على عسل من الحكومة الإسبانية. فتسيس الرياضة جُــرم فادح، الأولى بمن يرتكبه أن ينادي الساسة للتحلي بروح رياضية لا العكس.
فنصف المنتخب اليمني المشارك في تلك الدورة هم جنوبيون، وهذا هو السبب أو لنقل السبب الرئيس الذي يقف خلف عاصفة التشجيع الجنوبية....أما الذين اعتبروا تلك الجموع الجاثمة أمام شاشات التلفزيون بساحة العروض بخور مكسر بأنه استفتاءً شعبيا جنوبيا مؤيدا للوحدة اليمنية بنسخة عام1994م هم أنفسهم الذين ظلوا يسخرون من ملايين الجنوبيين في الساحات منذ عام 2007م وبساحة العروض تحديدا، ولم يعتبروا تلك الحشود أنها تعبيرا عن أمرٕ ما أو أستفتاءً عن موضوع سياسي.
الجنوبيون وحدويون بالفطرة وليسوا بحاجة لأن يثبتوا لأحد حقيقة ناصعة كهذه خلال 90 دقيقة ، ولكن أية وحدة التي نعنيها ويعنيها هؤلاء المتخذلقون وأحزابهم؟ فالخلاف ليس على الوحدة من ناحية المبدأ، بل على شكلها وطبيعتها، باعتبارها قيمة حضارية ووسيلة للعيش بوضع أفضل وبكرامة حدودها السماء، وحدة معمّـــدة بالتراضٕ، لا وحدة مغمسة بالدماء ومحاطة بالأشلاء، وحدة الهيمنة والغطرسة وسيادة فكرة الأصل والفصل.
فالذين أقحموا السياسة بهذه المناسبة – سواء أكانوا من حزب الإصلاح أو المؤتمر أو الحوثيين- لم يضروا الرياضة فقط بل تحاملوا على الحقائق والواقع، وكشفوا دون قصد زيف منطق السياسيين، واسقطوا ادعاءات المتحزبين والمؤدلجين أرضا.
فحين صورَ هؤلاء أن كل مشاكل اليمن قد أنتهت بانتهاء صافرة الحكم وأن كل الخصوم جنوبيون وشماليون، حوثيون إصلاحيون ومؤتمريون قد تناسوا خلافاتهم وتوقفت رحى صراعاتهم وأزيز الطائرات بالسماء وصمتت المدافع - وإن كان هذا التمني هو فعلا ما نأمله من صميم قلوبنا أن يكون واقعا فعلا-. نقول أن هؤلاء هم أنفسهم الذين يرفضون التعايش مع بعضهم بعض ويصرون على بقاء عجل الحرب بالدوران مع الحوثيين أو من يسمونهم بالمجوس وينزعون عنهم ليس فقط جنسياتهم اليمنية بل وديانتهم وعروبيتهم، ومن يرفض التعايش مع حزب الإصلاح باعتباره شلة من الدواعش ومرتزقة العدوان ومتخاذلون بالجبهات- بحسب توصيفهم لهذا الحزب-، وهم أنفسهم الذين يتأففون من التصالح مع حزب الرئيس السابق صالح و ينعتونه بأقذع السباب والشتائم، ومع ذلك لا ينفك هؤلاء جميعا من دعوة الجنوبيين لأن يرموا بقضيتهم في بحر حقات وقبول الوضع كما هو دون تعديل أو تسوية بمجرد أن اليمن قد فازت بكأس قاري.
معالجة القضايا كقضية الجنوب، وتجاوز الأزمات كأزمة اليمن تحتاج لمصداقية ولخطوات حقيقة لا مزيفة و إلى قلوب نظيفة من كولسترول الأحقاد والضغائن كنظافة قلوب لاعبي منتخب النشء الجديد،وعقول صافية كصفاء عقولهم، وصدور واسعة بسعة ملعب كرة قدم وأكبر، بعيدا عن الهزء بعقول خلق الله واللعب بعواطفهم وحُــسن سجاياهم لأغراض لا علاقة لها بالوطن ولا بوقف الحروب والصراعات، والمضي صوب التسامح وتناسي ظُلمة الماضي كما يزعمون.
×صلاح السقلدي.