د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
مواطن بلا وطن !!
أستهل مقالي اليوم بمطلع قصيدة للشاعر الكبير المرحوم الأستاذ عبدالله البردوني عندما عبر فيها عن معاناة المواطن اليمني الذي أنهكته الحروب والأزمات وطحنته السنين وهو ينتظر حتى مل منه الانتظار للخروج من واقعه التعيس إلى مستقبل مشرق ..وهو شاخص ببصره نحو الأفق لعله يراه دون جدوى !!.. واقتبس منها هذه الأبيات :
مواطن بلا وطن لأنه من اليمن
تباع أرض شعبه وتشترى بلا ثمن
يبكي إذا سألته من أين أنت ؟..أنت من ؟
لأنه من لا هنا أو من مزائد العلن
نعم هذا هو واقع الحال لهذا المواطن اليمني الذي فقد بيته وعمله وربما كل أو بعض أحبابه في هذه الحرب الضروس التي لا ناقة له فيها ولا جمل وتدور رحاها منذ سبع سنوات وأهلكت الانسان والزرع والضرع وخرج هذا المواطن البسيط مكرها لاجئا يبحث عن خيمة ينصبها وسط الصحراء داخل وطنه معرضا نفسه وأهله للقصف العشوائي لأطراف الصراع وقد يفقد حياته وآخر يخرج من تحت الرماد والقصف يبحث عن بلاد يعيش ويستقر فيها ويظل تائها يجوب الآفاق شرقا وغربا ويعبر القارات والمحيطات ليعيش ويستقر في المهاجر واذا أسعده الحظ وصل واستقر ، وإن وافاه الأجل فقبره يكون في جوف المحيط وبطون الأسماك مع غيره من النازحين من اوطانهم اذا غرق مركبهم الصغير ، وفي أحسن الأحوال يدفن على اليابسة في أرض بعيدة وغريبة دون شواهد على قبره دون وداع من أهله وأحبابه !!
ومن ينجو منهم لا يبحث عن رفاهية في مدينة الضباب "لندن " أو عاصمة النور "باريس" في حال ساعده الحظ ونزل في إحداها فتتواضع طموحاته ولا تتعدى أكثر من امنيات بسيطة ولكنها لا تتحقق حتى في الاحلام !!
ويلوذ بالصمت لا يتكلم ولا يشكي همه لأحد.. فعزة النفس والنخوة والشهامة تظل مكبوتة داخله فتمنع عنه الهواء العليل .. وتبقى الذاكرة وحدها أسيرة لأيام خوالي وثورات كانت تضئ مهاوي الردى ، فالعصبيات القبلية والطائفية والمذهبية تلتهم الأخضر واليابس في وطنه حتى اختفى منها الحب ورائحة المسك المعطرة بترابه ، وتغريد البلابل التي تذكره بروابي الوطن الخضراء و بزملائه الذين خرجوا معه وماتوا في طريق العبور وبقي وحيدا غريبا يجدف بهويته على اوتار أمنيات وتضحيات معلقة كعصفور يحلق بأجنحة متعبة ومترعة باليأس والأمل !!
د . علوي عمر بن فريد