العيد في عدن الحزينة!

من الثابت إن عدن عانت في السنوات القليلة الماضية اشد المعاناة وجابهت المحن والمشقات وذاق سكانها مُرّ العيش ولازال طعم الحنظل يشوب مذاق عيشهم ويعكر صفو حياتهم، ويفقدهم الفرح الحقيقي والسعادة والبهجة بقدوم عيد الاضحى المبارك ، فتأثير ويلات الحرب والقتال وكل ما قاسى الناس من رعب ونزوح وما قدموا  من دماء شهداء وجرحى ومعاقين، محفور في الذاكرة بلون الفحم ومرسوم على الشفاة بنسيج من الحزن .

ورغم ان عدن تجاوزت مآسي فترة الحرب والقتال فهي لازالت تعاني من هشاشة البنية التحتية وضعف الخدمات ويصطلي ناسها بنار الحر في صيف عدن الساخن في ظل كذبة اسمها كهرباء لا تسعف ولا تطفئ لهيب الحر لكون وجودها نادر وغيابها حاضر .

ومع وجود بعض التحسّن في الطاقة الكهربائية خلال الشهرين الماضيين ولكن ولسوء الحظ حدث  انهيار ونكسة جديدة للطاقة الكهربائية فلم تصمد امام عجز في توفير الوقود لمحطات التوليد الكهربائي وعادت حليمة لعادتها القديمة .

اي فرحة عيد يعيشها الناس وهم يصرخون من عذاب الكهرباء ويحلمون بتدفق الماء في حنفياتهم واستمراره ويخافون من طفح المجاري وانتشار قذاراتها في منازلهم او شوارعهم، ويندبون انعدام المشتقات النفطية ونفاذ المخزون مع ان النفط شريان الحياة لحزمة من الخدمات الضرورية الى جانب انه المحرك الوحيد لوسائل النقل والمواصلات . فالمعروف في بقية دول العالم ان تحتفظ مدنها الكبيرة بمخزون استراتيجي يغطي ويسد الاحتياجات لفترة زمنية طويلة في حال حدوث طارئ معرقل او مانع لوصول تموين النفط ،لكن الناس هنا غير البقية فهم يتحملون ولا يستغيثون بل يصبروا ويكابدوا ، فالمشقة والمكابدة صارت جزء من حياتهم ولا حول ولا قوة الا بالله.

لم تعد هناك مساحة لفرحة حقيقية في القلب بعيد الاضحى المبارك، رغم ان الفرح والابتهاج في هذه المناسبة واجب ديني ، كما يجب على الاسرة ادخال فرح وبهجة العيد الى قلوب اطفالها ، ولكن صار عند الكثير من الصعب تحقيق ذلك فالبعض توقفت رواتبهم وتجرعوا كاس المذلة والحاجة والعوز، في ظل ارتفاع مستمر لأسعار المواد الاستهلاكية وتهاوي مستمر ايضاً في قيمة عملتنا المحلية فكيف يمكنهم تلبية متطلبات واحتياجات العيد وهم لا يجدون مايسد رمقهم ؟.

كذلك لن يتمكن البعض ممن يتقاضون رواتبهم شهرياً من استقطاع ثمن كبش العيد من رواتبهم حيث بلغ ثمنه عند البعض الذين رواتبهم متدنية مساوياً او قد يفوق معاشه الشهري كاملاً! هذا بالنسبة لمن يستلم معاشه بانتظام فما بال من توقف صرف معاشاتهم كيف لهم ان يفرحوا اولادهم باضحية العيد وينالوا الاجر والثواب

العيد عنوان يجسد القيم النبيله في المجتمع فيجب  ان يعم الخير ويتعزز وثاق روابطه بين الناس من أخاء واخلاص ومحبة وتقديم العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين ولكن مانشهده اليوم ونحن على ابواب عيد الاضحى المبارك من فساد مالي يمارسه بعض المسؤولين واحيانا موظفين عاديين ومن تلاعب بمصالح وحقوق المواطنين حتى بلغ الأمر حدّ التلاعب بما تقدمه الجمعيات الخيرية والتطاول على المحتاجين وابتزازهم ! فكل ذلك يدل على انحطاط في القيم الانسانية وابتعاد عن تعاليم ديننا الاسلامي .

عيد باية حال عدت ياعيد... عندما قرأت خبر وصول لواء المغاوير من الشقيقة المملكة العربية السعودية من اجل حفظ الأمن في عدن -مع علمي الاكيد باهمية تعزيز الأمن وترسيخ ركائزه في عدن لكن ذلك حسب اعتقادي لا يحتاج لقوى بشرية اضافية او عتاد بقدر ما يحتاج ارادة سياسية مع التصميم على توحيد طاقات المنخرطين حديثاً والخبرات السابقة في الأمن وانضواء جميع المليشيات في الاجهزة الامنية والعسكرية وتحت قيادة وطنية واحدة، مع اتخاذ اجراءات حازمة لمنع حمل السلاح واطلاق النار- تمنيت لو قدمت السعودية بدلاً عن هذه القوة العسكرية محطة كهرباء لعدن مهمها كانت طاقتها كبيرة او صغيرة ،  لتكون اجمل هدية قدمتها لعدن بمناسبة حلول عيًد الاضحى المبارك وربما مسحت بها مساحة من الحزن المتراكم في نفوس ابناء عدن وملأتها بالفرحة والسعادة.