د. عيدروس النقيب يكتب:

همس اليراع.. رفقاً بالرجل يا هؤلاء

تحول محافظ شبوة إلى ما يشبه الأحجية التي يتنازع المتنافسون على كشف خباياها وأسرارها ويتبارون على من يتناول مغازيها ويفك طلاسمها أكثر من الآخر، حتى أنك ما أن تفتح أي متصفح إخباري يمني حتى ينط أمامك اسم الرجل وصفته وعشرات الأسماء ممن يتطوعون لمنحه الألقاب والصفات وكأن التاريخ توقف عنده ولم ينجب من ينافسه في أحداث الخوارق وبناء الإنجازات وصناعة المعجزات.
قنوات إسطنبول تنتج البرامج المتلفزة وتقيم الاستطلاعات المصورة وتنظم الاستفتاءات بشأن الرجل، وفي أحد البرامج الاستطلاعية فاز المذكور بمعظم أصوات المستفتيين وهم جميعا من أبناء تعز والمحويت وإب والحديدة وصنعاء، لكن لم يكن بينهم أحدٌ من أبناء شبوة من أبناء شبوة.
كاتب عمود ووزير سابق يرسل تحذيراً لرئيس الجمهورية من التفريط بالرجل ويعتبر سقوطه مقدمة لسقوط الرئيس نفسه، هذا الكاتب-الوزير هو ما أبناء محافظة صنعاء التي لها محافظان واحد حوثي والآخر شرعي، لكن أخانا لم يتحدث عن هذين المحافظين ولم يطالب بتغيير أو استبقاء أو دعم أو مساندة أحدهما فهو مشغول بمافظ شبوة في مفارقة عجيبة لا تحدث إلا في اليمن،  . . مفارقة تبين أن الحديث عن تبرم هؤلاء من الطغيان الحوثي والمشروع الإيراني ليس سوى نوع من رفع العتب وشيء من العلاقات العامة التي لا تضيف شيئا إلى ميزان القوى على الأرض. 
لم أسمع عن سياسيين أو حتى مواطنين عاديين من عدن أو أبين أو حضرموت أو أية محافظة جنوبية يقولون رأيا يتعلق بمحافظي تعزأو البيضاء أو ذمار أو مأرب (الحوثيين أو الشرعيين)، (حيث لكل محافظة محافظين)، لا سلباً ولا إيجابا، لأن المنطق يقول أن كل مواطن مشغول بمحافظته وكيف تدار وأين تذهب مواردها ومستوى الخدمات فيها، ولا أحد لديه من الترف والفراغ ما يجعله ينشغل بأية محافظة أخرى، لكن الأشقاء وعندما يتعلق الأمر بمحافظ محافظة شبوة فقد حولوا الأمر إلى استفتاء كل الطبقة السياسية (وغير السياسية) اليمنية، الشرعية والانقلابية، الحوثية والإخوانية المؤتمرية (الشرعية) والمؤتمرية (الحوثية).
شخصيا لا أعرف الرجل ولم أقابله ولا أسعى إلى معرفته أو مقابلته، لكنني أتابع أخبار محافظة شبوة من خلال تبرم وشكاوي أهلها ومثقفيها وكتابها وناشطيها السياسيين، وبالمقابل ما يقوله المؤيدون لهذا المحافظ، ولن أضيف جديداً إذا ما قلت أنه قلما تجد شخصية مقبولة من أبناء شبوة تعبر عن ارتياحها لهذا المحافظ، فالاتهامات بالفساد على أوجها، وحملات القمع التي تشنها الأجهزة الأمنية ضد المحتجين السلميين بلغت حدها الأقصى، وظواهر القتل والاغتيال السياسي في شبوة بلغت في عهده ذروةً لم تبلغها من قبل، أما رداءة الخدمات وتراجعها وانعدام بعضها فحدث ولا حرج، فشبوة المحافظة النفطية، لم يجد أبناؤها الوقود الذي به يحركون آلياتهم ومركباتهم وأدواتهم الزراعية والسمكية وغيرها، وخدمة الكهرباء تكاد تنعدم إلا من بعض المدن ولبعض الساعات، كل هذا يتم رغم المليارات الممنوحة للرجل خصيصا لتحسين صورته وإبرازه متميزا عن سواه من المحافظين بفضل الانتماء الحزبي الذي يجعله فوق مستوى البشر.
تغيير محافظي المحافظات ومدراء الأمن فيها نص أصيل في اتفاق الرياض وهو مطلب مطروح من قبل كل الأطراف السياسية أما المواطنين وفي كل محافظات الجنوب فهم يتطلعون بالذات إلى تنفيذ هذا البند، فلماذا كل هذا العويل والنحيب إزاء قضية قد حسمها الموقعون على اتفاق الرياض؟
إن الذين على رؤوسهم ريشة، كما تقول الحكاية التراثية العربية، يوافقون على كل شيء إلا استبدال هذا المحافظ، وكأن القيامة ستقوم لو بقيت شبوة بدونه.
يا هؤلاء!!
رفقا بالرجل فقد نفختم فيه أكثر مما يتسع حجمه الطبيعي، ونخشى عليه أن ينفجر من كثرة النفخ، فتخسروه ونخسره معكم.
إنه لم يولد محافظاً، وهو ليس أول ولن يكون آخر محافظٍ لشبوة، التي عرفت طوال تاريخها عشرات الأسماء منذ فضل محسن عبد الله ومنصور سيف وفيصل العطاس وأحمد مساعد إلى الدكتور الأحمدي والدكتور القرعة وأحمد باحاج وعبد الله النسي وأحمد حامد لملس، وكل هذه القائمة وبعض من فيها من مناضلي حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني، وكل منهم غادر موقعه إما بقرار إداري من رئيس البلد، أو بقضاء الله وقدره، لكن أحداً من أصحاب هذه الأسماء لم يثر من الجدل ما أثاره هذا الرجل بسبب النفخ الحزبي والتحريض الأيديولوجي وتكامل المصالح المثير للشكوك.
فدعوا الرجل وشأنه واتركوا رئيس الجمهورية يمارس مهماته ويسرع في تنفيذ اتفاق الرياض ولو بفقرة واحدة تنتزع عاملاً من عوامل التوتر وتوقف الأنشطة المكشوفة للجماعات الإرهابية التي تنشط في شبوة على مسمع ومرأى من الجميع، وتضع حداً للفشل المتواصل في  تلبية حقوق أبناء المحافظة، وتحشد طاقات أبناء شبوة كلهم للدفاع عن أرضهم وثرواتهم والتصدي لمسلسل تسليم مديريات المحافظة للجماعة الحوثية واحدةً تلو الأخرى نكايةً بمطالب أبناء شبوة المشروعة وتمسكهم بحقوقهم المنهوبة.
والله من وراء القصد