حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
براجماتية الإسلام السياسي (1)
ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه مكبلة ، وحواسه مخنوقة ، وحريته مقيدة ، وأفكاره موصى عليها باسم دين محرف ، في الوقت الذي ما جاء الدين الإسلامي ببرامجه السماوية الراقية ومناهجه الربانية السامية المنحازة لقيم الحب والصدق والعدل والحق والأمانة والوفاء والجمال والإخاء والحرية والمساواة ، إلا للإرتفاع بالبشرية في مراقي كل ما هو خيّر وجميل ورحيم ومحقق للتوازنات الضرورية لترتيبها في مصاف المخلوقات المميزة المكرمة ، وإبعادها عن وحشية الحيوان ، ولتحيا حياة إنسانية متحضرة ، بعيدة عن التفاهة والسذاجة وتسطيح المجتمعات التي تسوق لها براجماتية الإسلام السياسي وطموحات التأسلم ومساومات المتأسلمين وصراعاتهم على السلطة ، التي أبت بكل تداخلاتها وتفرعاتها - السنية و الشيعية – إلا أن تؤدلج الدين الحنيف وتحوله إلى أيديولوجية سياسية نحت به منحىً مذهبيًا قزم البرنامج السماوي العالمي ، وأبعده عن دائرة اشتغاله الأساسية المنحصرة في تحقيق التوازنات الضرورية لتحقيق حياة أكثر استقرارا لعباد الله، ما حوّل الدين إلى خطابات سياسية طائفية ، تضرب قدرة الناس على التعايش مع أنفسهم ومع أمثالهم من البشر، تسوّق لها تنظيرات براجماتية الإسلام السياسي المروجة للتصورات اليوتوبية المستحضرة من الوهم الجمعي أو المجتمعي لخرافيات مشروع الخلافة الإسلامية، البعيدة للغاية عن الواقع والمنطق السليم القويم ونتائج تجارب البشر، التي تحولت بسبب القراءات المغلوطة والمقصودة للتاريخ إلى الشعارات اكبيرة والأهداف اللامعة التي يصدقها السذج والجهلة ، وتؤمن بها الذهنية البدائية -التي لفظتها روح العصر- ويعتبرها الأغبياء النهج المستقيم الموعود ، الذي سيسود العالم ويتحكم في البشرية ، والذي يؤسلم رجال الدين من أجلها كل شيء ، ويلوون أعناق الآيات والأحاديث لإقناع الهبّل صدئيي العقول الهُبّل بصدقية وهمها، وإيهام المُغَيَّبَين الغائبين بأنها من صلب الدين ، الذي لا يتم الإيمان إلا بتبنيها ، ورهن النفس والفكر لتحقيقها ، والذي لا يتوانى تجار الدين عن توعد المشكيكين في امكانية قرب حدوثها على أرض الواقع ، بغضب الله وسطوة عذابه ، معززين زعمهم بأقوال غوغائية مجهولة المصدر ، ممهورة بتوقيع الله والرسل والأنبياء والملائكة والشيوخ وأباطرة الفتاوى المليئة بخطير عناصر التخدير الإثني والديني والطائفي ، الذي تُشحن بها أذهان وعقول البسطاء ، لتسهل تدحرجتها إلى هاوية التخلف والانبطاح ، والخضوع للتعاليم البالية والتفسيرات االجامدة الصادرة عمن يطلق عليهم السلف الصالح ، والتي تبعــد الناس عن دين الله الحق، وترمي بهم في أحظان وثنية هرائية مدلسة ، لتصنع من جهلهم المُغيَّب ، والمتخلفهم الأبلـَـه ، وإرهابيهم الداعشي ، وكل من لحست فتاوى التخلف عقولهم ، وسجن كلام شيوخه فكرهم ، وملأت أساطير الأولين أمخاخهم بكل ما تجاوزه التاريخ ، وكذبته الاكتشافات العلمية ، ورفضه المنطق ، وخالفه العلم والعقل والواقع ، وتحولهم إلى كائنات تفرح بإقصاء المخالف ، وتفتخر المغاير،على اعتبار أن تلك أوامر الله وعقوبة منه للقوم الكافرين ، والتي لا يستقيم الدين إلا بإنزالها بهم ، أطفالا كانوا أو نساء أو مسنين ، تقربا منه سبحانه..
أمام هذا التظليل العقائدي السافر، وتلك الغواية الدينية المفضوحة ، الزارعة للفتن والنّعرات بين الشعوب باسم الدين ، والتي يشعر معها المسلم الحق بالألم والأسى ، أتساءل ، كما غيري كثير، كيف لم يقم المسؤولون بتطبيق قانون الإرهاب على من يضلل الناس باستغلال الدين ، ويأمرهم بالإرتداد عن الحاضر والإنغماس في تخلف الماضي ، بدعوى العودة إلى السلف الصالح المعادي لكل انفتاح وتعدد وحوار وتفاوض وتعايش .