د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

الفرق بين لصوص الامس واليوم

كتب الشاعر والكاتب الباكستاني أديب مرزا  في كتابه "المصباح" ما يلي :
(( ذهبت الى دلهي في الستينات للعمل ... وفي احد الأيام نزلتُ من الحافلة فتشتُ جيوبي، تفاجأت بأن أحدهم قد سرقني، وما كان في جيبي حين نُهبت سوى تسع روبيات، ورسالة في مظروف كنت قد كتبتها إلى أمي  : ..أمِّي الحنون !! فُصلتُ من عملي، لا أستطيعُ أن أرسل إليك هذا الشهر المبلغ المعتاد ..
وكنت قد وضعت رسالتي هذه في جيبي منذ ثلاثة أيام على أمل أن أرسلها في وقت لاحق بما يتوفر من روبيات ، وبالرغم من أن الروبيات التسع لا تساوي شيئاً ؛ لكن الذي فصل من عمله؛ وسُرق ماله تساوي هذه الروبيات في نظره 9000 روبية !!..
مضت أيام، وصلتني رسالة من أمي، توجست خوفاً، وقلت في نفسي: لا بد أنها طلبت المبلغ الذي اعتدت إرساله اليها، لكنني عندما قرأت الرسالة احترت كونها تحمل شكرها ودعواتها لي، قائلة: «وصلتني منك 50 روبية عبر حوالتك المالية، كم أنت رائع يا بني، ترسل لي المبلغ في وقته، ولا تتأخر بتاتاً رغم انهم فصلوك من عملك داعية لك بالتوفيق وسعة الرزق »..
وقد عشت متذبذباً لأيام، مَنْ يا ترى أرسل هذا المبلغ إلى أمي؟!! وقد وصلتني بعد أيام رسالة أخرى بخط يد بالكاد يُقرأ، كتب فيها صاحبها :
حصلت على عنوانك من ظرف الرسالة وقد «أضفتُ إلى روبياتك التسع، إحدى وأربعين روبية كنت قد جمعتها سابقا ؛ وأرسلتها حوالة مالية إلى أمك حسب عنوان رسالتك، وبصراحة فإنني فكرت في أمي وأمك، فقلت في نفسي: لماذا تبيت أمك أيامها طاوية على الجوع واتحمل ذنبك وذنبها  ؟؟ ..
تحياتي لك »
أنا صاحبك الذي انتشلك في الحافلة .. فسامحني !!
أحيانا قد نصادف لصوصا أشرف بكثير من أولئك الذين يرفعون شعارات  في حقيقتها منزوعة الدسم ان لم تكن شعارات مزيفة !! 
وبالأمس .. 
‏كان لصوص بغداد في العصر العباسي حكماء وفلاسفة، وكان من أشهرهم اللص الشريف أبو عثمان الخياط والذي كان يقول: بأن اللص أحسن حالا من الحاكم المرتشى، والقاضي الذى يأكل أموال اليتامى، وهو أيضاً القائل:  ما سرقت جارا وإن كان عدوا لي ولا سرقت كريما ولا امرأة ولا بيتا ليس فيه رجل ولا قابلت غادرا بغدره. وعاهد أصحابه قائلا: "أضمنوا لي ثلاثاً أضمن لكم السلامة: لا تسرقوا الجيران، واتقوا الحرام ولا تكونوا أكثر من شريك مناصف أي الحصول على نصف ثروة الغني"
وكان من تلاميذه اللص ابن حمدي العيّار والذي كان لا يسرق أصحاب البضائع الصغيرة التي تكون قيمتها دون الألف درهم..
وكان إذا قطع الطريق «لم يكن يعرض لأرباب البضائع اليسيرة، التى تكون دون الألف درهم، وإذا أخذ ممن حاله ضعيفة شيئا قاسمه فيه، وترك شطر ماله فى يديه».
أما اللص ابن سيار الشاطر كان واسع الحيلة والدهاء فكان لا يسرق إلا من الأغنياء ويترك الفقراء وينادي بأحقيتهم في أموال الأغنياء. هناك فرق كبير ما بين لصوص الأمس ولصوص اليوم. فلصوص أيام زمان كان لديهم أخلاق ومروءة، وكان لديهم تراث أخلاقي وحضاري لا يسرقون الجار ولا المرأة ولا يعتدوا على مال الفقير..أما لصوص وفاسدي اليوم فلا أخلاق دين لهم ولا رحمة، ولا حدود لبطشهم وجشعهم، وسرقوا آمال الحاضر والمستقبل لشعب الوطن والدواء والغذاء والعيش بهناء، وافسدوا الماء والهواء وسرقوا فرح وبسمة الأمهات والأباء والأطفال، وتخصصوا بسرقة خيرات الوطن، وما تنهب أيديهم من اموال الفقراء وبنوا مجد ثروتهم على حساب شعب منكوب.
انقاذ شعب الوطن من الذل والفقر والعوز ومن القلق والخوف على المصير حاضراً ومستقبلاً، وفي كل يوم من حياته بسبب التهديد والتهويل والفساد دون رقيب ورفع الغطاء عن القاتل والسارق وعن التاجر الفاجر والتسلط والفجور.
اللهم نستودعك الوطن وشعبه واحميه من الطغاة، الظالمين الحاقدين السارقين الفاسدين المستكبرين وهم اللصوص المغامرين  بمصير الوطن وشعبه ومستقبله .
 
د.علوي عمر بن فريد