سلام التميمي يكتب لـ(اليوم الثامن):

هل العنصرية فطرة أم ثقافة مكتسبة ..!

هل في داخلنا جينات مسؤولة عن تحيزاتنا العنصرية؟ هل نحن نولد بأستعدادات نفسية مسبقة؟ هل نولد وفي أدمغتنا وجيناتنا أفكار أولية وفطرية, أو نحن نولد بصفحة بيضاء؟ هل نكتسب طبيعتنا البشرية من خلال البيئة والمجتمع والتجربة والثقافة من حولنا أم ماذا؟ وإذا كنا خليطاً بين هذا وذاك, فماهو الحد الفاصل الذي نستطيع من خلاله أن نعرف سلوكنا الفطري أو الوراثي وسلوكنا المكتسب بالتجربة أوالثقافة .

الانثربولوجيون وهم العلماء الذين يدرسون الانسان من حيث هو إنسان, يصفون ويقارنون شكله وكيف يأكل ويعيش ويتزوج ويفكر ... آلخ, بعضهم قال الحد الفاصل بينما هو طبيعي فطري وبين ماهو ثقافي مكتسب يجب أن يكون شاملاً لكل أفراد النوع البشري, فإذا وجدنا سمتاً ما موجودة في الانسان بغض النظر من الثقافة التي عاش بها, فهذا يعني أنها طبيعية, وإذا وجدنا سمة تختلف بأختلاف ثقافته فهي ثقافة مكتسبة,لان من تعريفات الثقافة أنها كل ما يكتسبه الانسان بأعتباره جزءاً من المجتمع, وأن الانسان يختلف عن الحيوان بهذه الثقافة, فالانسان لا تحركه فقط غرائزه الطبيعية كما في الحيوان, بل ثقافته تحركه أيضاً, فإذا جئنا عند الرغبة الجنسية مثلاً فأنها نجدها في كل أفرد النوع البشري بغض النظر عن الثقافة التي نشأ فيها الانسان فنعلم أنها طبيعية لم يكتسبها الانسان لانه تعلمها ممن حوله, أو اللغة من حيث قدرة الانسان على أكتسابها لان كل البشر يمتلكون لغة خاصة بهم بغض النظر عن شكل هذه اللغة ودرجة تعقيدها, وهذا على عكس أفكار أخرى لايشترك فيها كل البشر, فاللباس على سبيل المثال مخترع بشري لان بعض الشعوب كانت عارية وكذلك ما ينبغي كشفه وما ينبغي ستره هي مما يتعلمه الانسان من مجتمعه, فهذه من ضمن المحاولات للتعرف على الحد الفاصل بينما هو طبيعي في جيناتنا وادمغتنا وماهو مكتسب .

وهناك من يرى أن هذا الحد يمكن أن نكتشفه إذا درسنا المجتمعات البدائية لأفتقارها الى الثقافة, أو فكرة الاطفال حديثي الولادة الذين يأخذون لحظة ولادتهم ويعزلون كما فعل بعض الملوك قديماً الذين حاولوا عزل طفلين ليكتشفوا ماهي أول كلمة سينطقون بها, على أمل أن يدلهم ذلك الى اللغة الفطرية أو الاولى أن وجدت, ومازالت المحاولات قائمة حتى جاء دور العلم وبالاخص علم الاعصاب ويمكن أن نتحدث هنا عام 1861 لما أكتشف طبيب الاعصاب الفرنسي ( بول بروكا ) منطقة في الدماغ مسؤولة عن فقدان القدرة على الكلام لدى أحد المرضى, ومازالت هذه المنطقة في الدماغ تعرف بأسم منطقة بروكا .

ومن خلال هذا الاكتشاف أستطعنا من خلاله أن نربط بعض قدراتنا وسلوكنا بأجزاء من الدماغ, مما قد يحل الحد الفاصل بين ماهو طبيعي فطري, وبين ماهو مكتسب, فأصبح بأمكاننا أن نبحث في جيناتنا أوادمغتنا ما يمكن ان يكون مسؤولاً عن سلوكنا وصفاتنا وذكائنا وعن تحيزاتنا العنصرية, مع أن تقنيات تصوير الدماغ مازالت بدائية مقارنة بما سيحمله المستقبل كما وصفه ( ديفيد إيغلمان ) فعي كتابه ( المتخفي – الحياة السرية للدماغ ), فما نفعله حتى الأن هو مراقبة خارجية لنشاط الدماغ, فنراقب زيادة نشاطه في بعض المناطق نتيجة لزيادة تدفق الدم فيها عند تفكير الدماغ بموضوعات معينة, فهو أشبه كما نقل في الكتاب بمن يريد معرفة طريقة عمل مؤسسة ما, لكنه لم يتمكن من دخولها ولا مقابلة الموظفين فيها, بل أكتفى  بمراقبة المبنى من الخارج, فوجد عند الساعة الثامنة صباحاً نشاطاً في الطابق الثاني, وعند الساعة العاشرة نشاطاً في الطابق السابع, وبعض الغرف أضيئت عند الواحدة, فتنبأ بوظائف هذه الطوابق والغرف من خلال مراقبة هذا النشاط من الخارج, ففي الدماغ مليارات العصبونات المتشابكة والتي تعمل في اجزاء صغيرة من الثانية وعلى الرغم من حجم هذه المكتشفات وما تساعدنا به في فهم ألية عمل أدمغتنا لكنه حقل حساس ومثير للجدل, نذكر على سبيل المثال العالم الامريكي جيمس واتسون الحاصل على جائزة نوبل نتيجة لأبحاثه في الـ DNA والذي جرد من بعض ألقابه التكريمية بعد ما ألمح بتصريحات عنصرية في خطابه العلمي, وأصبح بعض الباحثين يتحفظ عن مناقشة مسائل من قبيل هل أسامي الرجال مصممة للتعدد الجنسي؟ هل للمثلية أصل بايولوجي؟ هل في داخلنا جينات مسؤولة عن تحيزاتنا العنصرية؟ هل نحن على مستوى الأفراد والأعراق متساوون في الجينات أم لا؟ بما تحمله هذه المسائل جدل أخلاقي مع إنها ينبغي أن لا تكون كذلك, فالبحث العلمي يجب أن يكون موضوعياً حتى لو خالف أفكارنا الأخلاقية, هذه ليست وظيفة العلم أن يبدد قناعتنا الأخلاقية لكنه قد يساعدنا في فهمها والتعامل معها, فالحقائق البيولوجية شئ والرأي الأخلاقي شيئاً أخر, فحتى لو أكتشفنا في بعض الرجال أو النساء جينات تدفعهم نحو شهوانية مرضية مثلاً, فهذا لا يبرر الخيانة الزوجية أو الاغتصاب, وكذلك نفي المساواة البايولوجية لا يستلزم نفي المساواة في الحقوق وغالباً مايكون التحفظ على الخوض في هذه المسائل مبنياً على المغالطة البايولوجية أو المغالطة الطبيعية, فهم يفترضون أن كل مايحدث في الطبيعة أو له أصل بايولوجي فهو مبرر أخلاقياً وجيد أو العكس, وهذا غير صحيح فالطبيعة البشرية أصلاً قد تكون هي لا أخلاقية كما يرى بعض الفلاسفة, وأن الأنظمة الأخلاقية والأجتماعية وجدت لتنازعها أو تتبعها, وبعض التحفظ تجاه البحث العلمي في هذه المسائل يعود إلى الخوف من أستغلال بعض الحركات العنصرية كالنازية لنتائج هذه الأبحاث العلمية كما حدث عندما بنت النازية على نتائج بعض الأبحاث العلمية في ذلك الوقت فكرة تفوق العرق الآري وشرعنة تمييزها ضد الأقليات, وهذه أيضاً مغالطة منطقية تعرف بمغالطة الذم بالتداعي, فالحقيقة العلمية ينبغي أن تكون موضوعية بغض النظر عن معتنقيها أو مستغليها أو أرتباطها بمن لا نحب, وهاتين المغالطتين أستعرضها الدكتور ( عادل مصطفى ) في كتاب ( المغالطات المنطقية ), عموماً الحديث في هذا الموضوع يطول, هناك كتاب قرأته ناقش هذه المسألة بشكل مفصل من كل نواحيها التاريخية والفلسفية والسياسية والاخلاقية والتعليمية والجندرية وغيرها كتاب أسمه ( الصفحة البيضاء ) لعالم النفس الامريكي الكندي ( ستيفن بينكر ) .

مشكلة العنصرية أنها ليست ملحوظة دائماً فلا نستطيع تصنيف الافراد إلى عنصريين أو غير عنصريين لان الفرد قد يتبنى مبادئ المساواة لكنه قد يظل عرضة لممارسة العنصرية دون أن يشعر, جيسي جاكسون أحد الناشطين الذين طالبوا بالحقوق المدنية للسود في امريكا وهو من ذوو البشرة السوداء قال ذات مرة : " لا يوجد ماهو أكثر إيلاماً من أن أسير في الطريق وأسمع صوت أقدام وتتبادر السرقة إلى ذهني ثم أنظر حولي وأرى شخصاً ابيض وأشعر بالارتياح ", فقد يكون الفرد عرضة لممارسة العنصرية حتى وأن لم يؤمن بها خصوصاً اذا كان في مجتمع له تاريخ طويل فيها, قد نستطيع أستئصالها من قوانينا لكن أستئصالها من ذاكرة الشعوب يتطلب وقتاً أطول, لان غالبية أنماط السلبية موجودة في أذهان الناس شكلتها أعوام وأجيال من الرسائل المعلنة والخفية من الاسرة والاعلام والتجربة المباشرة, ولبعضها تاريخ أستعماري لذلك نجد كلمة ( SLAVE ) والتي تعني ( العبد ), يعود أصلها الى الشعوب السلافية التي أستعبدت, وفي بعض الشعوب العربية مازالت الى اليوم تصف الاسود بالعبد, فنحن لانستطيع أن ننزع هذه المسائل عن سياقاتها التاريخية لان الموروثات والبيئة والثقافة تتفاعل بأنماط معقدة لايمكن تخيلها, ولذلك يكون أفرادها أحياناً عرضة لممارسة العنصرية وأن لم يشعروا بها, كما حدث في بعض الدراسات التي وجدت في إحدى الالعاب الرياضية بأن احتمالية تعامل الحكام يختلف مع الهجمة إذا كان مرسل الكرة من العرق نفسه أو لا, أو في تجربة مثيرة للاهتمام خضع بعض الاشخاص إلى التصوير بالرنين المغناطيسي وعرضت عليهم صور لوجوه غير مألوفة لرجال ذوي بشرة سوداء, فأرتفع نشاط أدمغتهم في المنطقة المرتبطة بمشاعر الحذر والارتياب, وبعيداً عن هوية المشاركين في هذه التجارب وتجارب أخرى كثيرة, هي تثبت لنا أن الصفات الجسمانية أياً كانت قد تستثير انفعالات داخلية واعية أو لا واعية وهذه الانفعالات قد تترجم على شكل أفعال وممارسات عنصرية مما يعني أن آليات التحيز العنصري قد تكون في أدمغتنا بغض النظر هي موجهة ضد من, لاننا لو أردنا أن نعرف التعريف العنصري بشكل عام, هي عملية إضفاء معاني أجتماعية ورمزية على فروق ظاهرية أو متخيلة وامتدادها إلى ممارسات اجتماعية, فهي عملية تبدأ أولاً بمنح الاجساد معنى أو رمز, ونحن عرفنا للتو أن من يقوم بهذه العملية ويزداد نشاطه في بعض المناطق عند رؤية الاخرين هو الدماغ, سواء أن كانت زيادة في المناطق المسؤولة عن الحذر والاشمئزاز أو الراحة والانبساط, الدماغ يميل إلى أطلاق حكم على الاخرين, فنحن نكره الجهالة وأسهل طريقة للحكم على أحد هي من خلال قولبته أو وضعه ضمن مجموعة نعرفها فنستدعي كل أفكارنا وأحكامنا المسبقة حول هذه المجموعة, أو أفكار ثقافتنا حولها ونسقطها على الفرد, وأول ما نلاحظة في الاخرين هي أعراقهم لان سماتهم البيلوجية ظاهرة لنا, وهذا الفرق بين العرق والاثنية, العرق مفهوم بايلوجي ماهي الصفات التي تولد أنت بها سواء لون بشرتك وشكلك وسلالتك وغيرها, أما الاثنية فهو مفهوم اجتماعي أو ثقافي أما تشترك مجموعة من الناس في ثقافة أو معتقدات ويعتقد المنتمون لها أنهم متميزون من الناحية الثقافية عن باقي الجماعات الاخرى وكذلك ينظرون إلى هذه المجموعة بانهم مختلفين فهي بالتالي مكتسبة من التنشئة الاجتماعية مثل الاديان والمذاهب أوالتاريخ . ومصطلح العنصرية الذي بدأ عام 1930 كردة فعل على مشروع النازية القائم على تطهير اليهود والايمان بتفوق العرق الآري, وتقوم العنصرية على تمييز الناس وفق اختلافاتهم العرقية أو الاثنية, وهذا التمييز يقوم على عنصر موضوعي وعنصر ذاتي, العنصر الموضوعي هو اختلاف بيني وبينك فأنا أسود وأنت أبيض هذا أختلاف بغض النظر عن رأيي ورأيك هو أختلاف موجود أو أنا عربي وأنت غير عربي أو مسلم ومسيحي أو سني وشيعي, هذه الاختلافات موضوعية وهي متباينة, فالتباين الموضوعي بين المسلم والمسيحي أكبر من التبيان بين السني والشيعي لان السني والشيعي ينتميان للدين نفسه, هذا العنصر الموضوعي, أما العنصر الذاتي هو إدراك أفراد الجماعة والجماعات الاخرى لهذا التباين وشعورهم بالانتماء, وهذه نقطة مهمة لان التمييز العنصري ينطوي على العنصرين, على سبيل المثال الناس كلها مختلفة عن بعضها لايوجد اثنان متشابهين في كل شئ ولا من يطابقك في كل شئ حتى من أسلافنا الغابرين, لكن لا ينطوي كل اختلاف على تمييز عنصري فالناس مثلاً تختلف اطوالها لكن هذا أختلاف الطول مع أنه عنصر موضوعي وأختلاف موجود لكنه لا ينطوي على عنصر ذاتي, فأشعر باني أنتمي لجماعة الطوال وهذا ينتمي لجماعة القصار ونحن جماعتين مختلفتين متمايزتين وقد ينبني على اختلافنا هذا ممارسات اجتماعية مختلفة وعنصرية وانماط واحكام سلبية هذا لايحدث مع أنه اختلاف موجود, العكس من يشعر بالانتماء لجماعة بسبب لون بشرته أو دينه أو مذهبه أو فريقه الكروي الذي يشجعه هذا قد يدخل ايضاً في التمييز العنصري, فالتميز العنصري يقوم على العنصر الموضوعي المتمثل في وجود الاختلاف وعلى العنصر الذاتي الذي قد يتغير بمرور الوقت, ومن الامثلة على تحول العنصر الذاتي الذي قد ينبني عليه تغير في التمييز العنصري, تعرّض اليابانيين للعنصرية في الحرب العالمية الثانية, أو المسلمين بعد أحداث سبتمبر, أو الامريكان المكسيكيين بسبب القلق المتزايد تجاه الهجرة الغير شرعية, فالشعور بالتباين ليس ثابتاً ولا يعكس بالضرورة التباين الموضوعي, بمعنى قد يكون التباين من حيث الاختلاف الموضوعي كبيراً ولكن التباين الذاتي هامشي أو العكس, وهذا نجده على سبيل المثال في التناحر الذي يحدث بين بعض المذاهب التي تنتمي للدين نفسه فيكنون العداء لبعضهم أكثر مما يكنونه لمن يختلف عنهم في الدين,  مع أنه من حيث التباين الموضوعي كلاهما ينتميان للدين نفسه وتباينهم الموضوعي أقل من تباينهم مع الاديان الأخرى, لكن التباين الذاتي على العكس من ذلك, وإذا تأملنا في العنصر الموضوعي والذاتي سنجد أن الدماغ قد يدرك العنصر الموضوعي وخصوصاً العرقي لانها سمات فيزيائية ظاهرة علينا, ولكن من يحدد التباين الذاتي الثقافة والتنشئة الاجتماعية هي التي تحدد مدى اختلافي عن الاخر, أو هي تحدد مستوى آخرية المختلف عني, لا نستطيع أن نتنكر الاختلافات الموضوعية بين البشر المشكلة ليست في العنصر الموضوعي بل في العنصر الذاتي الذي يفسر هذه الاختلافات, جذور التحيز العنصري لاتكمن في إحساسنا بالعرق من عدمه, بل في كيفية إحساسنه به, والتفاوتات العرقية لن تختفي إذا تجاهلناها .