سلام التميمي يكتب لـ(اليوم الثامن):

في ذكرى وفاة فرانز كافكا

قبل عشر سنوات تقريباً أو أكثر عرفتُ فرانز كافكا, حدث ذلك في وقت كنتُ أعاني فيه الأفتقار للكتب مع نهم متضاعف للقراءة, وأنا أعيش في بلد متخم بالمطاعم, وقاحل من المكتبات إلا في شارع واحد في بغداد, مما أضطرني في تلك الفترة إلى تجربة القراءة الألكترونية المتعبة, وأنا أتصفح بعض العناوين جذبني هاروكي موراكامي, وهذا الذي قادني إلى كافكا, هاروكي لم يصبح صديقي ولا أعلم لماذا لكني لا أنساه أبداً فهو سبب معرفتي بفرانز.

عندما قرأت عنه تساءلت كثيراً كيف لم أعرفه من قبل؟ أسماء كثيرة من الأدباء والفلاسفة كنت أعرفهم منذ بدايتي بالقراءة دون أن أرى أياً من مؤلفاتهم, ولا حتى في الصحف التي كنت أطالعها بأستمرار بما فيها ما يخص الكتب وأخر أصداراتها, لم أعرفه من خلالها, أستفزني جهلي بشده وإن غفلتُ عنه وقتها لأنشغالي برواية ( كافكا على الشاطئ ) أحببته أولاً من حبي للرواية التي أستخدم فيها موراكامي أسمه, ثم من رواية ( المسخ ) والتي قرأتها ألكترونياً في وقتها بترجمة منير بعلبكي, صدمني جداً عندما رأيت كافكا يستخدم أسلوباً جديداً في الرواية, أول ما شعرت به تجاهه هو أنه إنسان مختلف عن كل من قرأت لهم من قبل, أنه ليس كاتباً, لا أذكر فكرت مرة واحدة بأنه كاتب, لأنني لم أشعر بأنه كاتب بقدر الأحساس الذي أنتابني بأن كافكا مجرد إنسان يحيا بالكتابة عن نفسه ومشاعره وما يمر به, أنه غريب ومحير لكنه صادق, وغريغور بالذات ليس شخصية خيالة, بل إنسان حقيقي عاش وسُحق ولم يأبه له أحد, وهذا الكاتب حقيقي أكثر من كل من قرأت لهم سابقاً, وأتذكر صور لمؤلفاته المترجمة العربية كانت منها بترجمات منير بعلبكي وأخرى بترجمات إبراهيم وطفي كان أحدهم قد عرضها متباهياً في مكتبته, وكيف أنني أحتفظت بالصورة لأستمر في الحلم بالحصول عليها لاحقاً, لم أفكر أنها قد لا تعجبني بالرغم من أنني كنت حذر في شراء الكتب ليس كما في السابق وحذر جداً في أختيار المترجم, بعدها تحقق حلمي عندما بدأت العمل في إحدى المكتبات في شارع المتنبي لأجد أمامي كافكا على رفوف المكتبة, في أثناء عملي رشحت رواية ( المسخ ) لأحدى القارءات وبعد فترة رجعت وقالت لي بعد قرائتها : " أنه عميق جداً, لم أقرأ مثله من قبل, ولا أشعر بأني مستعدة حالياً لقراءة المزيد عنه ", أنا كنتُ مستعد لكل شيء منه لأستغرق فيه, بالرغم من أن رسالته إلى الوالد وحدها أثقلت أفكاري أكثر من أي كتاب آخر قرأته له, ألا أنني واصلت الأستغراق فيه.

شغفي بهذا الأديب الألماني غير حياتي, حياتي في القراءة أولاً, وأقتناء الكتب ثانياً, وأصبحت مقتنع بأن من يحب كافكا حقاً لابد وأن يكون نادراً مثله, وبالطبع عرفت مع كافكا الكثير من الكتاب البارزين أمثال " ألبير كامو " و " غراهام غرين " و " سوزان سونتاغ " وسواهم الكثير, أن جهلي بمعرفة كافكا, وصعوبة العثور على كتبه, وكذلك على قراء يشاركونني ذلك الشغف, كانت دوافعي للإصرار على المتابعة والبحث والقراءة, رغم كافكا ليس كاتبي الأول لكن علاقتي به كما بكل شيءٍ آخر, أيام أجده يشغلني طوال الوقت وتنتابني تجاهه مشاعر عميقة غريبة, مرة لشدة أحساسي بالشفقه تجاهه شعرت بأني أبيه أو أخيه, مرة جلستُ لأيام وحتى الآن حاقد على هرمان وماكس, وحاسد لرفيقته في الأيام الأخيرة دورا ديامنت مع حقد مضاعف على الأغنياء الذين عاشوا وماتوا مرهفين بينما  كانت حياته هو معاناة وألم, وأيام يأخذني عنه آخرون.

واليوم بعد هذه السنوات مع هذا الكاتب الحقيقي وآخرون ممن لا يقلون تأثيراً عنه, أعتقد أني لولاه ماكنتُ لأكون أنا حالياً, وما كنتُ لأكون هنا وأكتب هذا, الذي هو لاشيء في الحقيقة مقارنةً ما يكتبه هو أو غيره.