حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
عقاب المجرمين رادع لهم وحافظ للأمم من الضياع !
يقول المثل الفرنسي: ليس على الأرض ملائكة" !! ويقال كذلك "أن الصلاح والفساد يرتبطان بعلاقة عكسية تماماً " أي أنه كلما زاد الصلاح كلما قلّ الفساد ، والعكس صحيح ، كلما انخفض الإصلاح كلما زاد الفساد وانتشر بكل أنواعه وأشكاله ، واستاسد أبطاله ، وتجبر أباطرته ، وطغى سماسرته ، وتجبر كل من له صلة به ، ولا يبقبِمَنْأىً إلا من استطاعت حماية نفسه من موبقاته إيمانا بالفضال وإتصافا بالخصال الحميدة، أو من خاف عواقب تطبيق القوانين الصارمة في حقه ، إذا هو عبث بمصالح البلاد وشؤون العباد ، واستحوذ على المال العام بدون وجه حق ، الأمر الذي يجعل السارق والفاسد والمرتشي وجميع المرتزقة المفسدين ، يفكرون ألف مرة ، بل مليون مرة قبل أن يقدموا حتى على التفكير في أي فعل مشين ، لعلمهم بما ينتظر المفسدين على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والتي تطالعنا وسائل الإعلام ، بالكثير الكثير من أخبارهم وقصصهم ومغامراتهم في عالم الفساد والافساد الذي يكون أبطالها ، في الغالب الأعم ، من مسؤولي الدولة بجناحيها التنفيذي والتشريعي ومن الذين يتولون مناصب تسيير الشأن العام ، المحلي أو الوطني ، فيطلقون أيديهم وربما أرجلهم في صناديق المؤسسات العمومية ، ويعيثون فيها فسادا ، وكأنها أموال "سائبة" ، ويتحولون بين عشية وضحاها من فقراء معدمين إلى أثريا مثخنين بالمليارات وما لا يحصى ولا يعد من الممتلكات ؛
ولعل أبرز هذه القصص ، تلك التي انفجرت قبل أيام بمدينة فاس ، والمتعلقة بقضية "مافيا العقار" التي عرفت بمجموعة "فايق جماعة أولاد الطيب" والتي تم فيها اعتقال زعماءها "الفايقين" رشيد الفايق الذي رئيس جماعة فاس حاليا، وأخوه جواد الفايق رئيس عمالة مدينة فاس ومن معهم ، بتهم جنائية ثقيلة تتراوحت ما بين جناية الارتشاء والنصب والاحتيال واختلاس وتبديد أموال عمومية وتزوير محررات رسمية، والغدر ، واستغلال النفوذ ، والشطط في استعمال السلطة ، دون أن ننسى اغتصاب معوقة ، التهم التي لم تكن في الحقيقة مفاجئة لمتابعي الشأن المحلي بفاس، بقدر ما كانت صادمة للذين لم يصدقوا بعد مقولة الحكيمة السيد بويطة : "مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس " والذين يتهربون من واقع الحال بقولهم: " أن الحكم النهائي لم يصدر بعد." دون أن يعوا خطورة نتائج ما اقترفه "الفايقين" من أفعال سلبية أساءت لرموز ومقدساء البلاد ، ودمرت مقومات حياة مواطني "أولاد الطيب" الطيبين .
وبالمناسبة لا يسعني إلا أقف اجلال وتقديراً لثلة من أبرز الرموز الباسقة من قضاة المغرب وأرفعهم مكانة ، الوكيل العام للملك بفاس السيد رشيد تاشفين ونوابه الأستاذ البقالي والأستاذ الشارف والأستاذ بوكلاطة الذين ذكّروا المغاربة بتصرفهن العادل بعظمة القضاء المغربي وشموخه –الذي لا يغيب إلا على خونة الوطن- والذين يحق لنا أن نفخر بمكانتهم ، ونفاخر بتميزهم الذي لم ينزعج من عبارات السخط على المحاكم ، التي أُطلقت إعتباطا هنا ، أو تبرم أو تطاول هناك على أحكام القضاة ، سدنة العدالة ، ورجال الحق والعدل الذين ليس للمواطن المغربي العادي في هذا الوطن إلا حضنهم الدافئ وقلبهم الكبير ووطنيتهم الصادقة ، وتفانيهم في محاربـة مثل هـذه الـظاهـرة الخطيرة ، وتـجريـم كل جوافعها التي بها تستقيم حياتهم ويستقر أمنهم .
فلا تتراخوا أيها الفضلاء جازاكم الله ،ولا تهاونوا -الصفة والفعل الذي ليس من شيمكم- في حق هذا الوطن ومواطنيه لكونه جريمة عظمى تهوي بكل القيم والمبادئ ، ولا تتسامحوا مع المفسدين في تفعـيل الآليات القانونية وربط المسؤولية بالمحاسبة، انطلاقا من المبدأ الدستوري.
الكل يعلم أن العفو -كما أراده أصحاب "عفى الله عما سلف" الملغومة- يجعل المنحرفين والخارجين عن القانون والمجرمين ، يهيمون في غيهم وطغيانهم أكثر، وأن الضرب بـقـوة على أيـدي الـمفـسدين ، لهو الضامن الأساس لعيش كافة مكونات المجتمع في حياة كريمة رافعا رأسه ، مصداقا لما يقيل: "من آمن العقاب، أساء الادب" وأن: "عقاب المجرم رادع وحافظ يضع الأمم على الطريق الصحيح ويقلل الفساد فيها ، ويحصر عدد الفاسدين والمفسدين واللصوص والمرتشين ، كما هو الحال في بلاد الغرب، التي ليس أهلها من الملائكة الأخيار، والصلحاء الأبرار ، لكن لخوفهم الشديد من العقاب الذي يرغمهم على احترام والخضوع للقانون الذي تطب بينهم دون تحيز أو انتقائية ، الأمر الذي صان للبلاد مالها العام ، وحافظ على هيبتها ، ونظف مؤسساتها من الفاسدين وأبعد عنها المجرمين ، فانتشر بها الأمن والأمان الذي نثوق إليه بفضل أمثال قاضي فاس وأمثاله الذين يشرفون روح القضاء المغربي ، والذين ينحني المرء لهم إجلالاً وتقديراً ..