د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

جيل الاستقلال أضاع الهوية الجنوبية!!

جيل الخمسينات والستينات الميلادية هم من أضاع الهوية الجنوبية في فورة صعود القومية العربية وخاصة بعد حرب السويس عام 1956م وصعود شخصية عبد الناصر للوطن العربي.
وكانت البداية تأسيس رابطة الجنوب العربي التي قادت العمل الوطني في تلك الفترة، في حين أسس حكام الجنوب اللبنات الأولية لمشروع اتحاد الجنوب العربي بضم كل المحميات في كيان واحد، وفي عام 1962م قامت ثورة 26 سبتمبر في اليمن فتدخل عبد الناصر لمساندة الثورة الوليدة وانقسم اليمنيون الشماليون بين جمهوريين وملكيين للبحث عن الرزق!! والقت مصر بثقلها العسكري في اليمن وخاضت حربا دموية لمدة سبع سنوات لتثبيت الجمهورية الجديدة دون جدوى، واضطر عبد الناصر مرغما لسحب قواته من اليمن لمعالجة آثار العدوان عام 1967م وتصالح مع المملكة العربية السعودية في مؤتمر جدة وقرر الخروج من اليمن وترك اليمنيين لشأنهم، ثم أصبح اليمن كحصان طروادة الخشبي ملكي من الداخل وجمهوري من الخارج، وقبل خروج عبد الناصر قال في خطابه الشهير في تعز " على بريطانيا ان تحمل عصاها وترحل من الجنوب"
وكان القوميون العرب قد استدرجوا بعض شباب الجنوب والمتحمسين لتأسيس الجبهة القومية في حين كانت قبائل ردفان قد عادت الى الجنوب وتصدت لها القوات البريطانية وامير الضالع وجيش الليوي وعندما طالبوهم بتسليم أسلحتهم التي احضروها معهم من اليمن رفضوا ذلك ودارت بين الطرفين معركة عام 1963م وأطلقت ابواق صنعاء ما أسمته بثورة 14 أكتوبر بقيادة الجبهة القومية التي كان يديرها عبد الفتاح إسماعيل بتوجيهات نايف حواتمة والقوميون العرب في بيروت والكويت وتمكنوا من تجنيد مئات الشباب من أبناء الجنوب.
في الوقت نفسه فقد انتشرت العناصر اليمنية في عدن في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتحقت بالجبهة القومية وحزب البعث والحركة الناصرية وبدأت بفرض هويتها اليمنية على الجنوب العربي.
في حين كانت الدعاية الناصرية تشن حملاتها الإعلامية على حكومة الاتحاد والسلاطين ، وتم خلالها سيطرة العنصر اليمني على الجبهة القومية سواء في تعز اوعدن ، وادعت الجبهة القومية قيادة العمل المسلح وتسلقت على أكتاف قبائل ردفان وفي جنيف تفاوض وفد الجبهة القومية مع البريطانيين على الاستقلال واعلن مسمى الجمهورية الوليدة "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" وكان العنصر اليمني حاضرا وممثلا في شخص عبد الفتاح اسماعيل اثناء توقيع وثيقة الاستقلال وبدلاً من أن يتم الاحتفال بعيد الاستقلال لدولة الجنوب العربي تبين لاحقا اننا اضعنا هويتنا وتاريخنا منذ ان فرطنا بمسمى الدولة الوليدة !!
وقعت "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل " كما سمت نفسها وثيقة الاستقلال منفردة في 30 نوفمبر 1967م وتمت يمننة الجنوب العربي بمسمى "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية"!!
وقامت بالتواطؤ مع بريطانيا بملاحقة كافة الرموز الوطنية من حكام وقادة احزاب سياسية حتى من ساهم منهم في استقلال الجنوب العربي.
وتمكنت العناصر اليمنية من تأجيج نار الصراعات والثارات بين الجنوبيين
وتمكنوا من دق إسفين الخلافات والصراع المناطقي واحياء النعرات بين العوالق ودثينه في الجيش والأمن!!!
وأثمر ذلك الصراع عن قيام حركة 22 يونيو عام 1969م بقيادة سالم ربيع ويسار الجبهة القومية وتم اقصاء الكثير من العناصر الجنوبية عن الحكم وتمت تصفية قحطان الشعبي وابن عمه فيصل الشعبي ومعهم الكثير من الكوادر الجنوبية السياسية والعسكرية...!!
واشتدت القبضة الحديدية على العناصر الجنوبية الفاعلة في الجنوب حين كان (محسن الشرجبي) على رأس جهاز أمن الدولة وهو " يمني"
وجرت أبشع انواع الاغتيالات السياسية تحت مسمى "فرسان القبائل" في كافة انحاء الجنوب، كما تم تصفية الرموز الدينية والوطنية من كافة شرائح المجتمع وتقدر اعدادهم بالألاف، وتم طرد مئات العائلات الجنوبية من ديارها وتم مصادرة أكثر من 65 الفاً من بيوت المواطنين في عدن وحدها وتم توزيعها على كوادر الحزب، كما تم تأميم آلاف المزارع الخاصة للمواطنين الجنوبيين وحتى قوارب الصيد!!!
وطالت حملات القمع والترويع الاف المواطنين الجنوبيين حتى فر معظمهم من بلادهم!!
وبدأت مرحلة اخرى قادتها العناصر اليمنية في 26 يونيو عام 1978م وهي سلسلة متعاقبة لتصفية القيادات الجنوبية وزرعوا التنافر والشكوك بين العناصر الجنوبية تحت شعار المناطقية التي تتعارض مع فكر الاشتراكية العلمية تحت شعار الصراع الأيديولوجي بين اليسار المغامر واليسار الحقيقي، وتمت تصفية سالم ربيع علي لاحقا والعديد من القيادات الجنوبية بصورة فجة!!
تعمد العنصر اليمني تشويه البرنامج الاصلاحي الذي ظهرت ملامحه في عهد الرئيس علي ناصر محمد، مما دفع بهم لتأجيج الصراع المناطقي بين الجنوبيين أنفسهم، حتى جعل قسماً منهم يشعر بالمرارة، وتفسير ذلك بأنه استحواذ على المناصب الرئيسية الثلاثة في مفاصل الحزب والدولة من قبل علي ناصر وجماعته وهي الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني ورئاسة الدولة (رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى) ورئاسة مجلس الوزراء. وهنا تفجرت أزمة المنافسة على المراكز القيادية والمؤسسة العسكرية والأمنية!!
وعود على بدء فقد كانت أحداث 13 يناير في عدن كارثية، وانهارت الدولة والحزب نتيجة تلك الأحداث وتوسعت الجراح الغائرة بين القبائل الماركسية في الجنوب!! وأفرزت من جديد قسمين: " الزمرة " "والطغمة " فإما الزمرة الهاربة بقيادة علي ناصر واركانه فقد لجأت الى اليمن وارتمت في احضان النظام العشائري المتخلف في صنعاء، وتم احتوائها ومن ثم تدجينها للمرحلة القادمة. كما تم استيعاب آلاف النازحين من ابناء الجنوب الذين هربوا بعد احداث يناير وتم استخدامهم للحصول على الكثير من اموال الدول العربية والاجنبية وتم تجميدهم كقنبلة موقوتة سيتم استخدامها لاحقا!!
وقد ازدادت الفجوة اتساعا بين العناصر اليمنية والجنوبية مما مهد لاحقا لإرهاصات13 يناير عام 1986م. حيث كانت مقدماتها تعيين عبد الفتاح إسماعيل رئيسا لمجلس الرئاسة وفي الوقت نفسه كان سكرتيرا للحزب الاشتراكي اليمني ويعتبر ذلك تقليدا سائدا في المعسكر الشيوعي!! وبرزت أزمة جديدة داخل النخبة السياسية وهي ظهور عجز عبد الفتاح إسماعيل عن القيام بدوره وبواجباته في الحزب والدولة، وقد أدت تلك الأزمة إلى إسناد رئاسية الدولة إلى علي ناصر محمد الذي كان يشغل أيضا رئاسة الحكومة.. وتردد الجنوبيون في ظل الانقسام الحاد بينهم في مسألة حسم الصراع مع العنصر اليمني.. ولم يحسموه معهم في قيادة الحزب...! واستطاع العنصر اليمني أن يقنع الجنوبيين المترددين أن الأزمة الناشئة هي صراع أيديولوجي بحت!!
وبدلا من أن تتصالح القيادة المنهارة بقيادة علي سالم البيض مع شراذمها الناجية ومع المجتمع الجنوبي الذي تمزق نسيجه وأصبح أكثر من 40% من ابنائه نازحين ومهجرين قسرا ومبعدين من الوطن، بدلا من ترميم العلاقة الجنوبية – الجنوبية، أخذ العنصر اليمني المتربص في مفاصل الدولة والقيادات الحزبية والسياسية والعسكرية يدفع باتجاه الوحدة المزعومة وان لا خيار ولا حل للجنوب سواها للخروج من أزمته!! وكانت قيادة البيض هشة وضعيفة ومترددة ومنهارة.. فلم تعد تبصر الاتجاهات الأربع الأصلية واضاعت الفرصة للخروج من أزمتها بالشخوص الى الخليج لطي صفحة الماضي الأليمة وترميم علاقات الجنوب المتردية مع دول الخليج وبدلا من الاتجاه صوب القبلة.. الى مكة المكرمة.. والتصالح مع جيرانه وجبر مصابه وهم ولا شك فاعلون الا ان ضعفه ونظرته القاصرة وسيطرة اللوبي اليمني وحلفاؤه من الجنوبيين تمكنوا من التأثير على البيض ودخل الى النفق المظلم وادخل الجنوب معه شعبا ودولة وأرضاً ولم يخرج منه حتى الآن!!
واليوم وما أدراك ما اليوم كأن التاريخ يعيد نفسه من جديد حيث فرض على الجنوب وحده أن يدفع ضريبة الدم في ميادين القتال في حين يكتفي شركاؤه الشماليون بنهب الموارد الطبيعية من بترول وغاز وزراعة وأراضي وفوق هذا وذاك يطلبون منهم التوجه الى الشمال لمحاربة الحوثي نيابة عنهم!!
وختاما فإنني أناشد كل أحرار الجنوب بالحذر كل الحذر من التحالف مع العناصر الشمالية وعدم الوثوق بهم لأنهم سيجعلون منهم دروعا بشرية ضد الحوثي وسيتركونهم وحدهم في جبهات القتال وأدعو أبناء الجنوب أن لا يثقوا فيهم وعليهم التركيز فقط في حماية أراضي الجنوب وترك الشماليين وحدهم يقلعون شوكهم بأيديهم وكفانا ما مر علينا من خداع منهم
وعلى الجنوبيين التمترس داخل الجنوب لحمايته من الغدر والعمل على اخراج كافة الألوية الشمالية المتواجدة في حضرموت وشقرة وفي كل شبر من ارض الجنوب وكل له بلده ومن أراد الحرية عليه ان يدفع ضريبة الدم والله من وراء القصد اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.
د. علوي عمر بن فريد