خير الله خير الله يكتب:

مسألة خيار عسكري في اليمن

تستضيف عدن، عاصمة الجنوب، هذه الأيّام أركان “الشرعيّة” الجديدة في اليمن. وهي “شرعيّة” انبثقت عن مؤتمر الرياض الذي توّج  بالتخلّص من الرئيس المؤقت عبدربّه منصور هادي بكلّ ما يمثله، مع المجموعة المحيطة به، من رغبة في تكريس الجمود المستمر منذ خلف عبدربّه علي عبدالله صالح في شباط – فبراير من العام 2012.

من المهمّ وجود أركان “الشرعيّة” الجديدة، في مقدّمهم رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة في عدن بغية الحصول على اعتراف من مجلس النواب بهم. لا شكّ أن تحركّ “الشرعيّة” من أرض يمنية يوفّر سببا للأمل. لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا مرتبط بقبول الحوثيين، الذين تحركّهم إيران، الجلوس إلى طاولة المفاوضات. مثل هذا التطوّر لا يمكن أن يتحقّق في ظلّ ميزان القوى القائم الذي يفترض بـ”الشرعيّة” الجديدة تغييره جذريا. هل هذا ممكن أم لا من أجل كسر سنوات من الجمود؟

بكلام أوضح، هل الخيار العسكري متوافر لدى مجلس القيادة الرئاسي كي يقتنع الحوثيون بأنّ ليس أمامهم سوى التفاوض، التفاوض من موقع كونهم جزءا من النسيج اليمني أوّلا وأخيرا وليسوا شرعيّة أخرى مقيمة في صنعاء.

من المفيد التذكير بأنّ عبدربّه منصور بدأ رئاسته، التي كان مفترضا أن تكون مؤقتة، أي لسنتين فقط يُقرُّ في أثنائها دستور جديد وتجري في ضوئه انتخابات رئاسيّة، بإعادة تشكيل القوات المسلّحة اليمنيّة. عمل بكلّ بساطة على تحويل الجيش اليمني إلى جسم من دون رأس موزّع الولاءات. صبّ كل ما فعله في خدمة المشروع الحوثي، وهذا كان مفترضا التنبّه إليه باكرا تفاديا للكارثة المتمثّلة في بلوغ الوضع اليمني ما بلغه وتحوّل قسم من البلد إلى قاعدة للصواريخ والمسيّرات الإيرانيّة.

لم يكن لدى الرئيس المؤقت سوى هدف واحد. يتمثّل هذا الهدف في القضاء على أيّ نفوذ للرئيس اليمني السابق داخل الجيش. أدّى ما فعله إلى اغتيال الخيار العسكري في التعاطي مع الحوثيين وغير الحوثيين والاستعاضة عنه بمناورات سياسيّة لا طائل منها.

بات في الإمكان الآن الكلام عن مرحلة جديدة في اليمن وذلك في ضوء حدثين مهمّين. الأوّل الهدنة التي أعلنت والتي مدتها شهران، والآخر احتمال إعادة وضع الخيار العسكري على طاولة أيّ مفاوضات

كان عبدربّه نائبا لعلي عبدالله صالح طوال ما يزيد على 15 عاما. تصرّف معه الرئيس اليمني السابق، الذي بدأ يصير مزاجيا منذ العام 1994، بطريقة غير لائقة في مناسبات عدّة. كان المهمّ لدى خليفة علي عبدالله صالح تصفية حساباته معه غير مدرك للنتائج التي ستترتّب على ذلك. بدأ بالتركيز على الحرس الجمهوري الذي كان يضمّ ما يزيد على 30  لواء.

يمكن التغاضي عن مرحلة السنتين اللتين تلتا تسلّم عبدربّه السلطة وتفسير تصرّفاته بالقهر الذي عاناه على يد سلفه. لكن ما لا يمكن فهمه هو الدور الذي لعبه في تسهيل وصول الحوثيين إلى صنعاء بعدما رفض استخدام ما بقي من جيش للتصدي لهم في محافظة عمران فيما هؤلاء في طريقهم إلى العاصمة. كان ذلك صيف العام 2014. فرح الرئيس المؤقت بقضاء الحوثيين على زعامة آل الأحمر الذين كانوا على رأس قبيلة حاشد المتماسكة وذلك بعد اجتياحهم لمحافظة عمران وسيطرتهم على منازل أبناء عبدالله بن حسين الأحمر في قرية خمر. اعتقد أن الحوثيين يعملون لمصلحته وأنّ في استطاعته استخدامهم من أجل إيجاد توازن مع الإخوان المسلمين الممثلين بحزب التجمّع اليمني للإصلاح. كانت للإخوان حسابات خاصة بهم. لم تتبدّل هذه الحسابات يوما وذلك منذ لعبوا في شتاء العام 2011 الدور الأساسي في التخلّص من علي عبدالله صالح بغية الحلول مكانه.

في الواقع، كانت كلّ حسابات الرئيس المؤقت، الذي نزعت منه صلاحياته في مؤتمر الرياض، حسابات خاطئة لم تخدم سوى الحوثيين (جماعة أنصارالله) والمشروع الإيراني في اليمن. هذا المشروع الذي يدّعي عبدربّه أنّه يحاربه ويحذّر في كلّ وقت من خطورته.

كان ضروريا التخلّص من “الشرعيّة” التي تحولت إلى “شرعيّة” ذات رأسين هما الرئيس المؤقت ونائبه علي محسن صالح الأحمر، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21  أيلول – سبتمبر 2014. أضاعت الجهات الخليجية المعنيّة مباشرة بالوضع اليمني وقتا ثمينا بسبب تغاضيها عن تصرّفات “الشرعيّة” التي لم يكن فيها شيء من الشرعيّة.

بعد مرور كلّ هذه السنوات الضائعة، بات في الإمكان الآن الكلام عن مرحلة جديدة في اليمن وذلك في ضوء حدثين مهمّين. الأوّل الهدنة التي أعلنت والتي مدتها شهران، والآخر احتمال إعادة وضع الخيار العسكري على طاولة أيّ مفاوضات يمكن أن تجري مع الحوثيين مستقبلا. هناك تشكيل لشرعيّة جديدة تحت تسمية مجلس القيادة الرئاسي. لم يتردّد رشاد العليمي في وصف عبدربّه منصور هادي بـ”الرئيس السابق”. الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ المجلس يضم شخصيات تمتلك قوات عسكريّة فاعلة أثبتت جدواها. من بين هذه القوات تلك التي قاتلت على جبهة الحديدة وقوّات العمالقة تلك التي استعادت كلّ مديريّات محافظة شبوة ذات الأهمّية الاستراتيجية الكبيرة من الحوثيين في كانون الثاني – يناير الماضي. كشفت قوات العمالقة، وهي في معظمها جنوبيّة، أن في الإمكان هزيمة الحوثيين. كلّ ما في الأمر أنّ “الشرعيّة” السابقة لم تكن تريد ذلك… بل سهّلت استيلاء هؤلاء على صنعاء!

دخل اليمن مرحلة جديدة. سيجد مجلس القيادة الرئاسي نفسه مضطرا إلى اعتماد الخيار العسكري في غير جبهة من أجل إقناع الحوثيين بأنّ لا خيار آخر أمامهم غير التفاوض من أجل التوصل إلى صيغة سياسية جديدة لبلد أقلّ ما يمكن قوله عنه أنّه تشظّى.

سيعتمد الكثير، في نهاية المطاف، على ما إذا كانت إيران مستعدة للأخذ والردّ في اليمن من جهة وما إذا كان الحوثيون باتوا مقتنعين بأنّ مشروعهم السياسي في اليمن، وهو مشروع إيراني، لا أفق له لأسباب مرتبطة بالموازين العسكرية لا أكثر ولا أقلّ…