د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
لماذا نحن الى الماضي ؟!!
كل جيل يعشق ماضيه ويسترجع ذكرياته، البعض منا يحن الى أصحابه الذين عاشوا معه في طفولته ومطلع شبابه ومازال على تواصل دائم معهم ، وهناك فرق كبير بين الماضي والحاضر، فالأول كان جميلاً خالياً من القلق والأمراض المنتشرة حالياً. اما الحاضر فالحياة أشد تعقيدا وصعوبة !!
في الماضي كان الناس بسطاء مخلصين، لديهم الحياء، وكانوا يحبون صلة الأرحام، أما الناس في الحاضر، فكثير منهم لا يصل رحمه، ولا يخجل ، ومنهم من يمارس الكبر والنفاق في الكثير من الأوقات .
زمان كان الماضي يتميز بالدفء والبساطة في التعامل والود والحب الصافي البعيد عن المصالح أما أيامنا الحالية فهي خالية جافة من الدفء والود والصدق مما يجعلنا نشعر ببرودة العلاقات الاجتماعية وتفكك الأسر والأقارب بالإضافة إلى سرعة الحياة ودخول التكنولوجيا الحديثة قد غلبت عليها، وحولتنا إلى مجرد آلات جافة بلا مشاعر، كما أن أصدقاء زمان، علاقتي بهم ذات طابع مميز، ومازالت على تواصل معهم، وأشعر أن علاقتي بهم غير علاقتي مع الأصدقاء الحاليين، فأشعر أن العلاقات الحالية تغلب عليها المصلحة !!
لم يكن ماضينا خاليا من المتاعب كما يتصوره أغلبنا، ولكن ذاكرتنا الجمعية تتجاوز الذكريات الأليمة وتحاول تجاهلها كلما تقدم بنا العمر وتسرب الشيب إلى رؤوسنا أو باعدت بيننا الأيام أو فرقتنا الأقدار نحن ومن كانوا جزءًا أصيلا من حياتنا و ذكرياتنا وكلما فرقتنا الأيام وتباعدت بيننا المسافات نستدعي ذكرياتنا الجميلة معهم التي لا زالت تنبض بلحظات بالفرح لننسى آلام الحياة ومعاناتها ومن هؤلاء الأصدقاء الذين أحبهم وأعزهم من كانوا يدرسون معي في المتوسطة والثانوية رغم أن كل واحد منا تفصله عن الآخر آلاف الأميال وفي بلدان متباعدة ولكن قلوبنا لا زالت تنبض بالمحبة والصدق والفرح ونتواصل كل يوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي !!
ويجدد الحنين إلى الماضي الجميل فينا الشعور بالاطمئنان ويغمرنا الفرح عندما اتواصل معهم عبر المكالمات المباشرة أو الرسائل النصية ..كما يغمرني الفرح عندما أتذكر بيتنا القديم الذي عشت فيه طفولتي واسترجع فيه ذكرياتي واتخيل صور الأهل والأصدقاء الذي زارونا أو شاركونا حياتنا اليومية في المدرسة والشارع والجامعة، وكيف كانت وأصبحت عادات الناس وأخلاقهم..
كل منا يحن لماضيه لأنه زمن الطفولة والشباب الخالي من المسئوليات والمخاوف.. كل منا عندما يتذكر من عاشوا معه أيام طفولته وشبابه فهم جزء من ماضيه الجميل.. وهو يستدعيهم بين كل وقت وحين ويتواصل معهم لأنهم لا زالوا يسكنون في ذاكرته وعقله الباطن وعاش معهم أجمل الذكريات في مطلع العمر!!
وهنا يطرح السؤال نفسه علينا وهو هل الحنين إلى الماضي له أصل علمي ؟
والجواب هو : لقد اكتشف العلماء ولأول مرة هذا الشعور "النوستالجي" في الدماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي. واثبتوا أن الحنين إلى الماضي، من خلال استرجاع ذكريات أوقات مميزة في حياتك، أمر مهم جدا للصحة العقلية للإنسان.
إنها حالة عاطفية يتم فيها استرجاع مشاعر عابرة ولحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية، وأن نسبة 80% من الناس يشعرون بالنوستالجيا مرة على الأقل أسبوعياً!
إن هذه الحالة نعمة من نعم الله على البشر، يصفها العلماء بأنها آلية دفاع يستخدمها العقل لرفع المزاج وتحسين الحالة النفسية، وهى تكثر في حالات الملل أو الألم بسبب نكران الجميل ممن أحبهم وعمل معهم أو الشعور بالوحدة خاصة عند كبار السن، فيقوم العقل باستدعاء ذكريات الماضي الطيبة بدفئها وعواطفها، فتعطيه تلك الذكريات الجرعة التي يحتاجها لمواجهة تحديات الحاضر..
والحنين إلى الماضي قد يمتد للماضي البعيد الذي لم نعايشه أصلا، يدفعنا إليه تلك الصورة التي نراها في صور وأغنيات وأفلام الستينات والسبعينات.. روح الود بين أبناء القرية ، وأخلاق وشهامة الناس في تلك الأيام ، والحياة الهادئة والنفوس الطيبة الصافية، والترابط الأسري، ويشتعل الشوق إلى حالة "النوستالجيا" حينما نصادف أو نتحدث إلى من كانوا أطرافا وشاهدي عيان على الماضي الجميل !!
علما أن الأنفس قد تغيرت وأعمتها المصالح والكراسي، وأن الحضارة التي ألبست الناس أرقى أنواع الملابس، لكنها جردتهم من القيم الإنسانية!! وأن التكنولوجيا التي جعلت من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة أقرب من حبل الوريد، لكنها انقطعت عمدا عن التواصل مع رفاق الماضي والحاضر لدى بعض الناس .
خلاصة القول.. إن الذكريات جميلة والماضي يدخل السعادة الى قلوبنا ، عندما نتذكره ولكن ذلك لا يعني أن نبقى عالقين فيه أو نعيش فيه إلى الأبد لأنه انتهى!..
د . علوي عمر بن فريد