د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

وما زالت أحلامنا مؤجلة !!

عندما كنا في زهرة الشباب وقمة الحيوية والعافية في البدن والعقل لم تسعنا الدنيا كلها من الفرح ، نسجنا في خيالاتنا أحلاما عريضة للمستقبل تعانق السماء ، و رسمنا فيها لوحة جميلة بالألوان الطبيعية لما سيكون عليه المستقبل ومضى العمر سريعاً، في طياته سنوات مازالت تشتاق إلى أحلامها الضائعة، أو ربما المؤجلة أحياناً، مضى العمر وهو يتحسس جراحات الأيام والسنوات التي تبدد فيها و تعب فيه الجسد الذي أنهكته السنوات العجاف وبقيت أحلامنا مؤجلة بل مختطفة تحت رحمة الصراعات السياسية والحروب المشتعلة وبيادق الفساد الذين يعملون بالوكالة ومرتهنين للغير ولكل الأطراف منذ الستينات تحت شعارات كاذبة وهم سبب الوباء والبلاء في بلادنا والتي تبخرت أمانيها مع قسوة الأيام ولم يتحقق منها ولو النزر اليسير و شاخت هي الأخرى وهرمت كلما عضتها الأحداث وطحنتها السنين ولا زلنا ننتظر على رصيف الزمن والحلم لم يتحقق بعد، ولم يقترب منّا، لم يلامسنا، لم يهمس في آذاننا ، بل ولم يقدم لنا زهور المروج الخضراء التي زرعناها وحلمنا بها في أحداقنا
ما أصعب أن تكبر، وأن تجد نفسك أمام ميزان يرجح فيه نقصان أيامك وأنت كما أنت، مازلت مهووساً بفكرة واحدة هي حب الوطن والمستقبل الذي كنا نحلم به وكنا نمني أنفسنا به عندما نتبادل التهاني في الأعياد مع زملائنا ولم يظهر بريقه في الأفق حتى الآن ،وأنت في أعماقك لا زلت ترى أن بالإمكان أن تعود طفلا صغيرا يعيد المولى عز وجل خلقك من جديد، لتشهد حلمك من جديد في بناء وطنك من الصفر، بطموح تعتق كثيراً وأنت تخطط له، لكنه أيضاً لم يأت !!
وطني الحبيب، لقد ذبحوك من الوريد إلى الوريد، لقد جففوا ينابيعك بحقدهم وحرقوا حقولك بشرورهم مصّوا دمك، وأكلوا لحمك وشحمك ولم يبقوا لك إلا الجلد والعظم، باسم الله شوهوك، باسم الوطنية قتلوك، وباعوا ترابك وهواءك وماءك وكبرياءك ومع ذلك يصفقون لك وينشدون عاش الوطن، يقتلني كذبهم ويزلزلني دجلهم أولئك الذين جيوبهم مع الوطن وسيوفهم على الوطن، يغنوّن للوطن ويقبضون الثمن يحرقون الوطن ويقبضون الثمن.
حينما يمضي بنا العمر، من دون أن نستطيع أن نتصالح معه، فإن ذلك لا يعني أبداً مرارة الشيخوخة والخوف من الموت، بل إن روحاً مازالت رطبة، ندية، تحتاج إلى من يسمع صوتها، من يؤمن بها، من يرقب النور الذي يسكنها، حينما يكون لمعنى البقاء ذات معنى الغياب حينما يكون لمعنى الحُب ذات معنى الكُره، حينما يكون للون الأبيض ذات معنى السواد، حينما يكون لمعنى السعادة ذات معنى العتمة، حينما تكتشف أنك تراهن خلال سنواتك الماضية على أوهام يقلصها لك العمر الذي ذهب من دون أن يسألك العذر، من دون أن يقول لك وداعاً ونصحوا حينا ونغفو حينا آخر وتسحقنا الذكريات وتتبدد أحلامنا كدخان الجني الأزرق التي شاهدنا رسوماته على قصص الخيال التي بقيت حية في ركن قصي من ذاكرة الطفولة البريئة تذكرنا بأيام ضاعت فيها الأشياء الجميلة التي خفت ضياؤها في حياتنا ، ولا نستطيع أبداً أن نوقف العمر حينما يمضي بنا، فإننا نكبر، ويبقى هناك بين الحد الفاصل بين زمنين حالة عميقة جداًّ اسمها "التوق" الذي يسكن في عروقنا، يسير مع دمائنا، ينعس في أجفاننا، يزورنا عند كل ليلة نتوحد فيها مع ذواتنا لنعيش قلق الفقد والخسارة، التي ولّت مع تلك الفرص
أن يمضي العمر بنا، ولم تتحقق أحلامنا، لم نصل، لم ننجح، بل ولم نستمر، فإن ذلك لا يعني أننا كبرنا، بل يعني أننا خاسرون في معركة لم تدر إلاّ من طرف واحد فقط وليس طرفين، طرف واحد هم من أبنائه وهم الشر المستطير وجنوده من شياطين الأرض
ورحم الله الشاعر نزار قباني الذي ينطبق علينا ما قاله في قصيدته هذه :
مسافرون خارج الزمان والمكان
مسافرون ضيعوا نقودهم ..وضيعوا متاعهم
ضيعوا أبنائهم
وضيعوا أسماءهم
وضيعوا انتماءهم
وضيعوا الإحساس بالأمان
فلا بنو هاشم يعرفوننا ..ولا بنو قحطان
ولا بنو ربيعة ..ولا بنو شيبان
ولا بنو "لينين" يعرفوننا
ولا بنو ريغان
يا وطنـي ..كــل العصافيـر لها منـازل
إلا العصافيـر التي تحتـرف الحريّـة
فهي تمــوت خـارج الأوطــان
د. علوي عمر بن فريد