د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

ماذا يجري في وطني الأكبر ؟؟!!

منذ نعومة أظفارنا تشكل وعينا الجمعي على أن الوطن ليس القرية أو المدينة أو القبيلة بل كانت مساحته من المحيط الهادر الى الخليج الثائر كما كان يقول صوت العرب !!
وكنا نقرأ أحداث التاريخ في مراحل التعليم الأولى وتجذر حبنا وولائنا لذلك الوطن الأكبر منذ الصغر.. من خلال ثورات العرب الكبرى ضد الاستعمار ففي الجزائر كانت براكين الثورة تتفجر من جبال الاوراس وتتصل بثورة المغرب في جبال الأطلس وبنزرت في تونس وصولا الى جبل الدروز في سوريا وجبل لبنان وامتدادا الى دنشواي وثورة يوليو عام 1952م في مصر العروبة وقبلها ثورات العراق منذ عام1920م وصولا الى ثورة  1959م .
وقد كانت أحلامنا لا نهاية لها في تأسيس وحدة عربية شاملة تنصهر فيها كل الأقطار العربية وتجسمت واقعا حيا في "الجمهورية العربية المتحدة " عندما أعلنت أول وحدة عربية في التاريخ الحديث بين مصر وسوريا ولكنها فشلت عام 1961م  ورويدا رويدا تبخرت آمالنا مع زيادة الانقلابات العسكرية المشبوهة في الوطن العربي وأخذ العرب يتبادلون الشتائم ويوزعون تهم العمالة والخيانة عبر القصف الإعلامي المتبادل وضاعت البوصلة على الجميع وانكفأت كل دولة على نفسها وتعمقت القطرية بين العرب وفتحت السجون أبوابها وتوسعت حركة القمع ضد المواطن العربي وضاع الحلم العربي الواحد  في ذلك الوقت ..والسؤال اليوم هو : هل ضاع منا الوطن الأصغر   (الجنوب العربي) ؟؟ هل ضاقت مدنه بانتماآتنا الكاذبة وكفرت أرصفته وأزقته بخلافاتنا؟
وهل فقدناه في خضم تسابقنا على الكراسي والشعارات المزيفة التي كانت سبب ضياعنا وشتاتنا، كنا نرعب ونرهب كل من يحاول الاعتداء علينا، كنا شامخين كالأسود يهابنا كل ظالم أو معتدٍ أثيم، كنا لا نهاب الموت ونضحي بالغالي والنفيس وبأرواحنا ودمائنا، كنا سهاما وخناجر في صدور الأعداء والخونة، كنا شجعانا وعلى القتال متمرسون.. كانت هويتنا عقيدتنا التي نحارب بها الظلم والاستعباد والقهر الذي نراه، كانت هويتنا هي سلاحنا الذي نحارب به كل غدار يحاول أن يزعزع الأمن ويزرع الفتن والدمار لشعبنا!!
فما أحلى تلك الهوية والتاريخ المفقود الذي كنا نعيش فيه حين ذاك، كنا لا نعرف للخوف معنى، وكنا لا نهاب قسوة حكوماتنا علينا، كنا ننام ونحن مطمئنو ومرتاحو البال والحال، كنا في ذلك الزمن ننشد للحرية لا نهاب السجون والموت، ما أروع هذا الاشتياق حين تعلو كرامتك وتشق بها صدور الجبناء، وما أروع هذا الاشتياق حين تفخر بعزة نفسك أمام جمع الجبناء والضعفاء، وما أروع حين تعلو ثقتك بشخصيتك وتزلزل بها ألد الأعداء!!
كنا أقوياء ومتماسكين ومترابطين، أين أنت يا تاريخنا العظيم؟؟
أين أنت يا زمن كنا نتفاخر ونتباهى بك؟؟  فنحن لك مشتاقون كشوق الطفل الضائع لامه أين أنت يا زمن لتنتشلنا من الضياع والهوان الذي نراه في بلادنا الجنوب العربي الآن؟  نقول لك: ارجع واعد إلينا ماضياً كنا فيه مصانين.. أين أنت يا زمن؟! تركتنا لحكومات لا تعرف الرحمة وتقطع فينا كل أمل بنيناه.. وكل حلم حلمناه، وتشتت لنا أفكارنا، وتعذب أجسامنا، وتدوس كرامتنا وتسجن حرياتنا، فهوياتنا ومبادئنا ضائعة من دونك؟
عد إلينا فقيمنا انهارت من دونك، وها هو أبو القاسم الشابي يثار لبعد الزمن عنا ولاحتلال الظالم لعقولنا ويقول:
ألا أيها الظالم المستبد.. حبيب الظلام عدو الحياة.. سخرت من أنات شعب ضعيف..
وكفك مخضوبة من دماء
هل ضاع منا الجنوب العربي؟
الحق يقال نحن خذلناه وبعناه في سوق النخاسة وعدنا بعدها نبحث عن أوطان أخرى في أصقاع الأرض … ندمّره من جديد ونلعب معه لعبة الموت التي لا تنتهي إلا بقتله؟
هذا الوطن الضحية هو (الجنوب العربي) الذي قتلناه مراراً وصلبناه دوماً وما عرفنا أبداً حقيقة أنّه إن مات الجنوب متنا معه… وكلّ من يقتله كان القتيل. ونسينا كم أحبّنا هذا الوطن، المسافر معنا، المتغلغل في حقائبنا والراحل حيث رحلنا.
واليوم نأتي جاهدين لنسلخه عن هويتنا الضائعة. لننبذه من سجلّ أيّامنا وتطلعاتنا كما يريد له أعداؤه مجرد فرع يعود إلى الأصل ويصادروا هويته وينهبوا خيراته ونحن صامتون وكأنّ شيئاً فيه لا يعنينا!
يا جنوبنا الحبيب كم بعثرنا مدنك وقراك، وزورنا هويتك العربية الأصيلة كم حوّلناك إلى بركان ثائر بالحمم المشتعلة التي دمرتك ودمرتنا وفشلنا في التصالح مع بعضنا البعض رغم الأيمان المغلظة التي رددناها حتى شقت حناجرنا عنان السماء وكذبنا في قسمنا على خالقنا وعلى أنفسنا لضياع الإيمان في نفوسنا منذ استوردنا الأفكار الملحدة واعتقدنا أننا تجاوزنا خلافاتنا ودفنا ماضينا الأليم بينما لا زالت النفوس مشحونة بالحقد والكراهية وثارات الجاهلية مترسبة في عقولنا ونفوسنا المسكونة  بالخلافات فيما بيننا!!
لقد دفنا زهورك وفلك وأطواق الياسمين وصفائح الكاذي التي تتصدر بيوتنا كل مساء.. و استبدلناها برصاص الموت والاغتيالات وأصبحت أدوات السطو والنهب و الموت هي اللغة السائدة بين الجميع !!
سامحينا يا عدن يا قلعة المجد يا سنديانة الوطن ونجمة المحيط ودرة موانئ العالم منذ فجر التاريخ ..سامحينا على هذا العبث الذي يجري على ترابك من صغار النفوس وتشويه معالمك .. سامحينا يا عدن إن تركناك تموتي  وحيدة  وتسلّلنا إلى مخابئنا نبكي كأطفالٍ جائعين عاجزين  نطلب الرحيل والرحيل يرفضنا… صغارٌ نحن… جبناء خائنون !!
يحقننا الموت جرعاتٍ بطيئة سامّة، فيتسلّل داخل أوردتنا ويطفو على سطح جلدنا بثوراً تخاوي الدم وتخالف المألوف، فيسبح الخوف في زوايا عقولنا… يشرّد اتّزاننا، يبيح جنوننا، يستوطن في خبزنا ويستقرّ في وسائدنا … نحاول  الهروب من أنفسنا حتى… على مدار اللحظات يحتوينا الصمت ونحتويه فتضجّ الكلمات بما نعاني، تصرخ ساكنةً وتبكي ضاحكةً ، إذ أنّنا ما عدنا نجرؤ على البكاء والنحيب!!
فمتى سنصحو ونسابق هذا الزمن العنيف،؟؟ ومتى سنسترجع هويتنا  المفقودة التي سرقها بعض أبنائنا الحالمين والمراهقين الذين يجهلون تاريخك وشموخك وباعوك رخيصا يا جنوب العزة والكرامة ؟؟!!
متى سيحين الوقت لنعيش بكرامة وعزة وفخر كما كنا في الزمن الجميل  ؟؟
وصدق  المفكر الجزائري  أنور مالك عندما قال :
ان مشكلة العرب هي الاستبداد..
وستطول أزمتهم مادام للمستبد صحفي يبيض سواده، وسياسي يخدع بلاده، ومفتي يضلل عباده،
وقائد يأكل مستحقات افراده، وعسكري يخضع لأسياده، وشعب يخنع لجلاده.!!
وختاما أقول : متى سترجع لنا مبادئنا وقيمنا التي تعلمانها من زماننا الذي ضاع ؟ ومتى سيأتي يوم ونرى فيه حريتنا تغرد كالعصافير في أعشاشها، لنقف بوجه كل ظالم وديكتاتور يريد تحطيم تاريخنا وزماننا العظيم ؟  فلعلنا ننعم بديمقراطية شعب عاش في أعالي القمم !! 
د. علوي عمر بن فريد