د.علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

كيف تمكن نظام صنعاء من زرع الإرهاب في الجنوب ؟!! الحلقة الاولى

للإجابة على هذا السؤال .. يتعين الرجوع إلى مشكلتين رئيسيتين :
الأولى: الغبن التاريخي الذي عانته قبائل الجنوب إبّان الحكم الماركسي في الجنوب (1967م-1990).
الثانية: العصبية القبلية و المناطقية التي تصدرت المشهد الجنوبي منذ إعلان الوحدة عام 1990م.
و بالرجوع إلى استيلاء الحزب الماركسي على مقاليد السلطة في الجنوب فقد تعمد منذ البداية إلى قمع المؤسستين : القبلية و الدينية , و قام بسلسلة من أعمال القتل و التدمير المتعمد الممنهج تحت شعارات زائفة مثل :
- تصفية فرسان القبائل.
- تصفية رموز المؤسسة الدينية (الكهنوت) حسب غلاة الماركسية.
- تأميم القطاع الخاص في التجارة والزراعة والمساكن الخاصة.
وكان الحزب  يهدف من ذلك إلى تثبيت حكمه الشمولي بالقمع و التسلط على إضعاف أهم الركائز  في المجتمع  الجنوبي .. !!
و قد أدى ذلك إلى تدمير تلك الركائز القوية وشل حركتها وعجزها  عن القيام بأي دور في المجتمع الجنوبي , و همش دورها تماماً , و تراجع دور المؤسسة  القبلية  إلى أدنى مستوياتها  من خلال تمرد أبنائها على أعرافها وأسلافها  وإذكاء الصراع فيما بينها  و الدفع بالطبقات الحرفية المسالمة  التي كانت طوال تاريخها تعيش في حماية القبيلة الى التمرد والعصيان وتحول دورها من الابداع الى التمرد ورفض مهنها التقليدية  والتاريخية وادخالها فيما أسموه ب "الصراع الطبقي " مما أدى الى موجات متتابعة من العنف  كثيرا ما سالت الدماء داخل تلك البنى  المجتمعية المتعايشة تاريخيا وزرع الأحقاد فيما بينها !!
والغريب أن تلك القوى الاجتماعية المبدعة تمردت على واقعها التاريخي واعتزل الكثير من أبنائها تلك الحرف التقليدية وبلعت الطعم عندما صدقت أكاذيب الحزب الماركسي بأن دورها وحجمها  في المجتمع يضاهي دور القبيلة التي كانت الحامية التاريخية لها قبل قيام الحزب الماركسي ليس هذا فحسب بل تمكن الحزب من استغلال تلك الفئات المبدعة وأوهمها أن القبيلة عدوتها  وعمق  شعورها بالدونية في السلم الاجتماعي كونها لم تستطع حماية نفسها في تلك البيئة القبلية المشتعلة بالحروب  !!
و قد استغل الحزب الماركسي في عدن هذا الشعور المتفجر فأشعل حربه الطبقية في المجتمع الجنوبي .. و تمكن من نشر الكراهية وعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي بغرض سيطرته على البلاد
و من المفارقات العجيبة أن صراع الأجنحة الماركسية قد تفجر في عدن ضد بعضها بعضا في 13يناير 1986م  وتدثرت بعباءة الماركسية - القبلية , واستحضر الرفاق كل حروب الجاهلية وثاراتها منذ "داحس و الغبراء" وحرب البسوس  وجساس  وكليب
و استدعوا بها القبائل "الماركسية" و سالت الدماء في عدن انهاراً وأودت بحياة أكثر من عشرة آلاف قتيل وجريح , حيث تخندق أبناء أبين و شبوة ضد الضالع و حضرموت  كما استقطب كل فريق أنصاره  من سائر المحافظات الجنوبية ,و كانت نهاية الدولة الجنوبية .. والنتيجة الحتمية لذلك هو ارتماؤها في حضن اليمن الشمالية .. و الدخول معها في مشروع الوحدة الفاشلة !!
و عندما أحكمت النخب المتنفذة في صنعاء قبضتها على الجنوب سعت بقوة إلى نشر الفتن و الثارات و التطرف و الغلو الديني الذي رعاه حزب الإصلاح بجناحيه القبلي و الديني تحت أكذوبة إعادة الاعتبار لقبائل الجنوب من خلال معاناتهم إبان الحكم الماركسي !!
فانخرط الآلاف من الجنوبيين في حزب الإصلاح و تم غسل أدمغتهم بطرق قذرة و سادية بمفهوم " الجهاد " ضد ما كانوا يطلقون عليهم الكفار الشيوعيين بقصد الفتنة وتناسل الثارات والاغتيالات في الجنوب !!
و شجع "صالح" العناصر الإرهابية المشبعة بثقافة الجهل و الموت منذ بداية حكمه عام 1978م الذي كان يواجه أزمات داخلية وكان  بحاجة إلى من يحميه.. و عمل على شراء ولاء القبائل شيوخاً و أفراداً و تحالفوا مع العناصر الإرهابية المتشددة القادمة من أفغانستان لتقوية سلطته , كما أراد "صالح" إثبات جدارته و أهميته لدول الخليج و الإدارة الأمريكية كحليف محارب للإرهاب من اجل دعم حكمه !!
وتمكن " صالح " من استخدام تلك العناصر الإرهابية لتصفية أكثر من 150 من كوادر الحزب الاشتراكي  بإشراف الأجهزة الأمنية والقبلية المرتبطة به واستخباراته المرتبطة بحزب الإصلاح في ظل صمت جنوبي شماتة بما آل إليه النظام الشمولي القمعي و قد انقسمت تلك العناصر الإرهابية إلى ثلاثة أقسام:
- الأول: تابع مخلص لصالح و أجهزته الأمنية .
- الثاني : تابع لحزب الإصلاح تحت إشراف عبد المجيد الزنداني.
- الثالث : يسعى لفك الارتباط مع الأول و الثاني و يؤمن بتحقيق
"الخلافة الإسلامية" و يخضع لقيادات شابة .. !!
و عند اجتياح الجنوب مجددا عام 2015م من قبل تحالف :
( الحوثي - صالح) تحت عنوان محاربة الدواعش ثم خلط أوراق تنظيم القاعدة من جديد فأصبح على النحو التالي:
1- قسم واصل إخلاصه لصالح و أجهزته الأمنية التي عملت مع هذا القسم و رفده بالكثير من جنود و ضباط الحرس الجمهوري و الأمن المركزي الذين غيروا ملابسهم عندما استولوا على المكلا , و من قبل استولوا على محافظة أبين و أقاموا إمارة إسلامية في جعار !!
2- قسم قاعدة الإصلاح المسيطر على آبار النفط في حضرموت , و قد لزم الصمت إزاء ما قام به القسم الأول لأن المصلحة واحدة في النهاية !!
3- قسم القاعدة التي تؤمن بالجهاد و الخلافة و قد نهضت لمقاتلة صالح- الحوثي) و تم طردها من قبل المقاومة الجنوبية و قوات التحالف العربي , و انسحبت إلى أبين و شبوة و البيضاء.
كما قام القسم الأول التابع لصالح و أجهزته الأمنية بمحاولة زعزعة الأمن في المناطق المحررة , و حاول إغراء العنصرين الثاني و الثالث باستخدام المال بعد أن فشل بالاحتفاظ و السيطرة على الأرض وتحريكهما لقيادة الاضطرابات في أبين و شبوة و البيضاء و محاولة التواصل معهما لتصوير الوضع في الجنوب بأنه هش .. و أن التحالف فشل في تأمين المناطق المحررة !!
و الأسئلة التي تطرح نفسها الآن هي:
لماذا الإرهاب يتركز في المناطق الجنوبية ؟
و أين دور القبائل الجنوبية للتصدي له ؟
فمن ناحية أن "صالح" كان يخشى من انفصال الجنوب و هو يسعى لبث الرعب في نفوس الجنوبيين من عواقب الانفصال , و كذلك إيصال رسائل للجيران أن اليمن صاحب الموقع الاستراتيجي في خطر بدونه !!
و برغم هذه الأكاذيب فإن الحقيقة التي لا تقبل الجدال هي أن جميع تلك التنظيمات الإرهابية صناعة شمالية تديرها بامتياز الأجهزة الأمنية و يقتصر نشاطها على المحافظات الجنوبية.
و في الحلقة الثانية سنتناول :
"لماذا لا تتصدى قبائل الجنوب لتلك التنظيمات الإرهابية "؟؟؟
د . علوي عمر بن فريد