د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

حين يتكلم الكبار ليستمع الصغار !! (الحلقة الأولى)

لا تجتمع الخبرة والحكمة والحنكة والنضج في عمر الانسان إلا بعد سنوات طويلة من تجارب الحياة في حين يفتقد هذه المنظومة الشباب الجموح الذي تقوده انفعالاته وفورة شبابه إلى الطيش والاندفاع والحماقة دون تبصر ولا رويه لعواقب الأمور، ومن ذلك نسوق هذين المثالين :
الأول : لحكيم اليمن الأستاذ أحمد محمد نعمان.
الثاني : للجنرال جياب أشهر قادة الثورة الفيتنامية.
بعد استقلال الجنوب في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧ توجس الأستاذ أحمد محمد نعمان من اندفاع القادة الجدد في" الجبهة القومية " نحو مسار يعصف بهم في ساحة من الصراعات المدمرة بشعارات جربتها وفشلت دول اكبر واقدر من الجنوب!!
كان النعمان يدرك أن الأخطاء الجسيمة سترتكب بسبب قلة الخبرة وطيش الشباب للقادة الجدد قي عدن ..وكتب رسالة نصح للرئيس قحطان الشعبي جاء فيها :
لن نيأس من اللقاء الأخوي بين من كانوا بالأمس أعداء يحارب بعضهم بعضاً جهلاً وغباءً وتعصباً وعمى فاسترجعوا القلوب الشاردة وضمدوا الجراح وامسحوا بالدموع كل ما صبغت به أرضكم من الدماء واستعيدوا خلق أجدادكم الذين سجلوا لنا قانوناً إنسانياً في أدبهم وتقاليدهم وتاريخهم .
مصداقا لقول الشاعر العربي :

إذا احتربت يوماً فسالت دماؤها * تذكرت القربى ففاضت دموعهـا

كونوا مدرسة أخلاقية إنسانية واضربوا المثل للذين يتخذون من السلطة وسيلة للانتقام والبطش وأعلنوا في هذه اللحظة التي تنتصرون فيها إن الجنوب لأبنائه جميعاً وان المسؤولية يتحملها القادرون عليها جميعاً وان الاستبعاد لأي مواطن لا يجوز أما العزل السياسي لمن أجرم في حق الشعب عامداً متعمداً ومحاسبته وعقابه فهذا متروك للعدالة .
آمل أن تتوفر النوايا الطيبة وتتضافر الجهود لتحقيق الوحدة الوطنية بين أبناء الجنوب أولاً وقبل كل شيء وأن تتركز الجهود الكبيرة لتحقيق السلام النفسي وكسب الجبهة الداخلية في الجنوب كله وتطمين الخائفين ودعوة الشاردين والتعاون مع كل من يرغب مخلصاً صادقاً في التعاون وتجدوننا معكم عاملين ومؤيدين وداعين وأنبهكم إلى أمر هام جداً ابتلينا به ومن التبشير لهم بالاشتراكية التي حولها الكثيرون إلى إباحية مطلقة لنهب الناس وسلب أموالهم ولم يكسبوا من وراء ذلك سوى المزيد من الفقر والإفلاس !!

راجعوا الشعارات التي ملأت أذهان الجماهير العربية خلال خمسة عشر عاماً وخاصة الوحدة والحرية والاشتراكية وماذا حقق الذين أطلقوا هذه الشعارات لشعوبهم ؟!!
إنهم لم يحققوا سوى الفرقة والاستبداد والفقر والحرمان وهزيمة 5 حزيران التي لا مثيل لها .
هذه كلمات أمينة مخلصة أرجو أن تلقى قبولاً من الجميع وأهنئكم من كل قلبي وأدعو الله لكم بالتوفيق والسداد. .( انتهى )

وهنا نقول : لا يكفي أن نطرح سؤالا واحدا لما جرى في الجنوب ..بل تحتشد في أذهاننا سلسلة مترابطة من الأسئلة الهامة حول ما جرى في الجنوب ..ولعل من أهمها : هل استمع واستفاد الشباب الطائش في " الجبهة القومية " ووريثها الحزب الاشتراكي اليمني من نصائح الأستاذ النعمان الذي عركته الحياة ؟ وهل عملوا بها ؟
مع الأسف الشديد لم يستمعوا لتلك الدرر من النصائح لرجل تمرس في السياسة حتى طحنت شبابه وأضراسه وسقته المر والعلقم منذ كان في مطلع سنه وزهرة شبابه واكتسب الخبرة والدهاء بعد عمر طويل في النضال الوطني وفي المقابل كانت لدى شباب الجبهة القومية آنذاك جهل تام بدهاليز السياسة وأسرارها
وكانت الحكمة غائبة ولم تتشكل بعد في وعيهم الباطن المشحون بالحقد والكراهية ضد الجنوب وأهله من خلال التآمر مع بريطانيا الماكرة التي سلمت لهم السلطة لأنها تعلم أنهم هم وحدهم الذين سيدمرون الجنوب !!
تجاهلوا بحقدهم وطيشهم كل تاريخ الجنوب وأرثه وعادته وتقاليده وقفزوا على كل القيم والموروث الحضاري والأخلاقي والمعتقدات الدينية والثوابت الوطنية واعتقدوا من خلال استيرادهم للفكر الماركسي الأرعن أنهم يستطيعون تدجين الجنوب وأهله في حظيرتهم واحتكروا السلطة لهم وحدهم !!َ؟
وكانت النتيجة أن استعدوا شعب الجنوب كله برعونتهم وطيشهم وحماقاتهم ..واعتقدوا أنهم قادرون على قمعه وترويضه ولكن النتيجة كانت عكس ما خططوا له ..وبعد أن دمروا الجنوب عادوا لتفجير الصراعات بينهم في سلسة طويلة من الاغتيالات في الأرض والسماء ضد بعضهم البعض كانت حصيلتها ضياع الجنوب ودولته وشعبه الذي تشتت في أصقاع الأرض!!
هذا ما حدث في البداية منذ الاستقلال وحتى اليوم ..والسؤال هو : هل يعيد التاريخ نفسه من جديد اليوم ؟!! وهل لا زال الجمر تحت الرماد ليشتعل من جديد ؟
الجواب سيكون في الحلقة الثانية .
د. علوي عمر بن فريد