سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):
نحو حكومة ثورية مؤقتة
نحن على يقين بأنَّ العملية السياسية بكل آلياتها ومؤسساتها، بدءا من قانون الانتخابات ومرورا بعملية بالانتخابات وبغض النظر عن نزاهتها من عدمها وانتهاءً بسياسة المحاصصة لتشكيل الحكومة، تمرّ في أنفاسها الأخيرة، وكل المحاولات من قبل التيارات القومية والإسلامية ومليشياتها لا تفضي إلا إلى الوقوف بوجه عقارب الساعة والوقوف بوجه التاريخ، ويكمن سر تخبط التيار الصدري الذي أعلن عن خروجه من العملية السياسية دون أن يطرح اي بديل، لأنَّه في النهاية لا يستطيع أن يرى البديل سوى من خلال هذه العملية السياسية ذاتها.
كما تثبت الوقائع المادية على الارض أنَّ الطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق المتمثلة بالقوى القومية والإسلامية، تدرك خطورة أوضاعها وازمتها السياسية العميقة، والتيار الصدري كأحد أجنحة تلك الطبقة، يعي أن أي تحرك في الشارع لن يحسّن من حظوظه ومساعيه لإنقاذ الطبقة الحاكمة من الانهيار، فهو لم يتوانى في إظهار إخلاصه المتفاني في كل مساعيه منذ انتخابات ٢٠٠٦ من أجل إصلاح العملية السياسية، وكان دائماً بمثابة العتلة الرافعة لإنقاذها من الغرق في كل الهيجانات الجماهيرية التي ضربت العراق، وإنَّ ما تطرح من تكهنات وطروحات بأنه أي التيار الصدري ذاهب للتحالف مع (التيار التشريني) اذا صح التعبير، بالضد من بقية أجنحة طبقته السياسية، فهذا يعني الانتحار سياسيا، وكان بقائه في انتفاضة أكتوبر جاء رغما عنه كعيون حارسة للعملية السياسية، وخاصة في فصلها الأخير، حيث قام بالتنسيق العالي بينه وبين القوات الامنية التي أرسلها الكاظمي لإطفاء جمرة الانتفاضة، وكانت المواجهات الدامية بين مليشيات القبعات الزرقاء التابعة لصدر مع المنتفضين في ساحات التحرير في بغداد والحبوبي في الناصرية و الصدرين في النجف إضافة إلى كربلاء وبابل، شكلّت معطيات مادية لا يمكن لأي منافق سياسي نكرانها وتبيض ملف الصدر واتباعه، واذا ما ذهب التيار الصدري ونزل إلى الشارع هذه المرة فإنَّ ذلك سيكون مرتهنا بوجود ميليشياته، وسيقع حتماّ في مواجهة مفتوحة مع ما يسمى (شبح الدولة - مليشيات الحشد الشعبي) وتحت عنوان حماية الدولة وسيادة الدولة وهيبة الدولة، وستمنع تداعيات نزوله اي الصدر من السيطرة على الأوضاع كما فعل في انتفاضة أكتوبر، فالأدوات التي رجحت كفته هي قوات الكاظمي، كما ليس بمقدوره تكرار تجربته في اقتحام الخضراء في ٢٠١٦ التي أدت إلى إعلانه اعتزاله السياسة إذ اختفى عن الأنظار بعد توريط جماعته.
إنَّ ما نريد أن نقوله في معرض الرد على من يراهن على التيار الصدري في قلب المعادلة السياسية لصالح الجماهير، بأنَّه واهم، فالتيار الصدري غير قادر على تغيير جلده وبالتالي فإنَّه لا يستطع المضي أكثر مما خطط له في أخذ امتيازات الإطار التنسيقي عبر مشروعه تشكيل حكومة الأغلبية، ومنح فتات من تلك الامتيازات على شكل توفير فرص عمل لعدد من العاطلين وتوفير بعض الخدمات هنا وهناك، وعبر نفس آليات العملية السياسية، والنتيجة هي دق اسفين في صفوف الحركات الاحتجاجية للعاطلين عن العمل وعمال العقود والأجور والمحاضرين وذوي المهن الصحية وعمال تنمية الأقاليم وأهالي المناطق من أجل توفير الخدمات وعمال الحفر في القطاع النفطي... الخ، علاوة على ذر الرماد في العيون بأنه يسعى جاهدا من اجل القيام بالاصلاحات.
ونؤكد من جديد أنَّ بدائل التيارات البرجوازية الأخرى، التي هي في أفضل أحوالها: حكومة انتقالية وتغيير قانون الانتخابات وإجراء انتخابات جديدة، ليست أفضل حظوظا من بديل حكومة الأغلبية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، من هي تلك القوى التي ستعمل على تشكيل تلك الحكومة الانتقالية المفترضة، وما هي أدواتها وألياتها؟ لاسيما وأنَّ تجربة الساعين إلى تشكيل الحكومة منيت بفشل ذريع، فمن امتلك المليشيات وحصد أكبر عددا من المقاعد لم يستطع تشكيل حكومته فما بالك بحظوظ تشكيل حكومة انتقالية تقفز بمظلة من السماء في ساحة تعج بالمليشيات.
ومن هنا يمكن نرى أنَّ الجمرة تحت الرماد ما زالت مشتعلة، اي جمرة انتفاضة أكتوبر، وإنَّ كل المساعي الإعلامية والدعائية والسياسية والقمعية للطبقة الحاكمة، وخداعها وأكاذيبها وبدائلها التي انتهت بالانتخابات، لم تستطع إقناع الجماهير، وهذا يعني أنَّ تلك الطبقة أصبحت خارج التاريخ، فمقاومة الجماهير لهذه الطبقة الفاسدة مستمرة، وإنَّ ما تحتاجه فقط تنظيم مقاومتها، ونقصد احتجاجاتها وتنظيمها وتوحيدها وتشكيل قيادة لها بعيدة عن كل الترهات التي تنثرها التيارات البرجوازية بما فيها جزء ما يسمون أنفسهم بالتيار التشريني الذين يبحثون عن مكاسب فئوية لهم أسوة بحركة امتداد وإشراقة كانون الذين مثل الكاظمي صعدوا على أكتاف وتضحيات انتفاضة أكتوبر.
أن البديل الواقعي الذي يلبي طموح الجماهير المليونية من العاطلين عن العمل وعمال العقود والأجور والنساء التواقات للتحرر والعمال والموظفين هو تأسيس حكومة ثورية مؤقتة تأخذ على عاتقها برنامج سياسي-اقتصادي واضح، وإنَّ هذه الحكومة تتشكل عبر مؤتمر ممثلي مجالس الجماهير التي تستند على الاجتماع العام في المحلات والجامعات والمصانع ودوائر الدولة، وان تكون هوية الحكومة، غير قومية وغير دينية تعامل البشر في العراق على أساس المواطنة، وتتخذ القرارات اللازمة حيث تكون في صدر أولوياتها؛ حل جميع المليشيات ومصادرة ممتلكات الأحزاب والقوى السياسية التي اكتنزت وغنمت الأموال عبر الفساد المالي والسياسي، محاكمة جميع المتورطين بأعمال القتل والاختطاف والأعمال الإرهابية، زيادة مفردات البطاقة التموينية، سن قانون ضمان البطالة للذكور والإناث ، بيع المحروقات بكل أشكالها مجانا إلى الجماهير، إلغاء جميع الاتفاقيات والعقود الدولية التي أبرمتها الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال التي تناهض مصالح جماهير العراق بما فيها الاتفاقات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إقرار قانون مساواة التامة بين المرأة والرجل…
إنَّ الاحتجاجات الجماهيرية الجارية والتي لم تتوقف يوما حتى بعد الهجمة الشرسة للقوات الحكومية والمليشيات عليها سواء قبل انتفاضة أكتوبر او خلالها او بعدها بإمكانها إذا توفرت مستلزمات توحيدها على الصعيد القيادي والتنظيمي وسيادة الأفق السياسي المستقل عن بقية التيارات البرجوازية الأخرى، إنَّ تبلور حركة عظيمة تعمل على تنظيم نفسها في المحلات والمناطق المعيشية والمؤسسات الحكومية والمعامل والجامعات عبر تشكيلها للمجالس او اللجان أو أية أشكال تنظيمية أخرى لتشكيل حكومة ثورية مؤقتة تستند عليها.
إنَّ العملية السياسية وصلت إلى محطتها النهائية، وتياراتها السياسية وصلت إلى نهاية نفق مظلم، ولا يمكن لها طرح أي بديل سياسي قادر على انتشالها وانتشال المجتمع، لقد آن الأوان لتلك القوى أن ترحل، فيكفي ما يقارب عقدين من الزمن من النهب والسرقة والقتل، وقد أدخلت الجماهير في حرب أهلية عام ٢٠٠٦، كما مهدت الأرضية لقدوم داعش من كهوف العصر الحجري في ١٠ حزيران ٢٠١٤، وأخيرا أغرقت الجماهير بدمائها عبر قتل المئات من شباب لم يطالبوا أكثر من خبز وحرية وكرامة إنسانية في انتفاضة أكتوبر وكان غاية تلك الجرائم من أجل تبثها بالسلطة.