د. عبدالله جمعة يكتب:
«الإخوان».. معول الهدم في تونس
لم تطأ قدم «الإخوان» بقعة من أراضي العرب، إلا وعملت فيها كمعاول للهدم والتخريب السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فمن مصر إلى السودان إلى سوريا الأردن وليبيا، ودول الخليج العربي وأخيراً تونس، عملوا على تخريب النظم القائمة طمعاً في الوصول إلى السلطة والثروة.
في جميع الدول التي أطلوا برؤوسهم فيها قطعت تلك الرؤوس، لكن الفلول والأذيال باقية، ولا زالت تعيث فساداً ما استطاعت، وآخر تلك التجليات هي الحالة التونسية هذه الأيام، حيث ينطلق ما يُطلق عليه الحوار الوطني، الذي يأتي ضمن خارطة الطريق التي وضعها الرئيس التونسي قيس سعيد لمحاربة آفات تونس الحالية الثلاث: «الإخوان» والفساد، والإرهاب، لكن «الإخوان» ممثلين في واجهتهم السياسية بما يسمى بـ«حركة النهضة التونسية»، ترفض الإصلاح وتحاول جاهدة إفشال جميع المحاولات المخلصة والبناءة لإصلاح أحوال البلاد المتردية وإخراجها مما هي فيه من خراب ودمار وفساد إداري ومالي واقتصادي وأخلاقي.
«حركة النهضة» في تونس هي حزب سياسي يسعى الوصول إلى السلطة عن طريق صندوق الانتخابات كما يدعى أصحابه، لكنه في حقيقته هو حزب ذو امتدادات أخطبوطية تعمل في الظلام، ويمثل واجهة سياسية للإخوان، والكل يعلم من هم «الإخوان»، وما الذي يمارسونه بسرية تامة من خلال أجهزتهم الخافية التي تعيش في المناطق المعتمة والأقبية المظلمة.
ونشاط «الإخوان» في تونس كان ضعيفاً في بداية ظهوره، ولم يكن مؤثراً في الحياة السياسية، لكن منذ نهاية ستينيات القرن العشرين قادت منظومة من العوامل حرب يونيو 1967 وبعد ذلك الثورة في إيران التي زادت من زخم المد الديني في المنطقة والأزمات الاقتصادية العويصة التي ألمت بتونس وتكرر المظاهرات والاضطرابات التي اندلعت في أنحاء عدة من البلاد، إلى عودة الإسلام السياسي إلى الساحة وقيام الحركات الإسلامية، ومن ضمنها «الإخوان» بإعادة تقييم أوضاعها ومساراتها والبحث لنفسها عن مخارج جديدة وسبل للعودة إلى الحياة السياسية بقوة.
لقد أفضت تلك العملية إلى تفكك الحركة الإسلامية التونسية في مجملها وإلى انشقاق مجموعة من مفكريها لكي يشكلوا تجمعاً جديداً تحت مسمى «الحركة الإسلامية التقدمية» في عام 1980.
وفي الوقت نفسه قام تيار الأغلبية بالتمحور حول راشد الغنوشي، وتوصل إلى تبني الخيار الديمقراطي وكتنظيم جديد تحت مسمى «حركة النهضة» أعلن مؤسسوه عن تبني الديمقراطية التعددية القائمة على وجود أحزاب تتنافس عن طريق الانتخابات للوصول إلى الحكم من خلال ميثاقهم التأسيسي، وكان ذلك تحولاً وتطوراً سياسياً جديداً ابتعد عن المسارات الرئيسية القديمة لفكر جماعة «الإخوان»، ولها مسار آخر من المناقشة.
لكن المهم أنه عندما وصلت حركة «النهضة» عن طريق الانتخابات أصبح التعامل مع مثل تلك الطروحات محل شك، حيث إنهم ما إن وصلوا إلى السلطة، حتى بدأوا في عمليات تمكين واسعة، أرادوا بها الانفراد بالسلطة ومصادرتها، والانقلاب على الديمقراطية ذاتها التي أوصلتهم إليها. لكن الشعب التونسي كان لهم بالمرصاد، وقام بطردهم منها سريعاً، قبل أن يستفحل أمرهم ويتمكنوا من زرع أنيابهم ومخالبهم في مفاصل الدولة والمجتمع.
وفي هذه المرحلة من تطور الحياة السياسية التونسية التي يحاول فيها الرئيس قيس سعيد إعادة الأمور إلى نصابها، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من دمار سياسي واقتصادي واجتماعي تسبب فيه «الإخوان» في تونس، من خلال وجودهم في العديد من مفاصل الدولة والمجتمع كالبرلمان وسلك القضاء والأجهزة الإدارية المتنفذة بحيث يعم الفساد والمحسوبية والفوضى بها، يقوم «الإخوان» بحركة التفاف واسعة لإجهاض عملية الإصلاح الجارية.
إنهم يقومون في سبيل ذلك بتكتيكات ومناورات مكشوفة، قوامها تحريك الشارع من خلال تأليب فئات معينة من تلك التي تساهم في الفساد ونصرة «الإخوان» ودعم الإرهاب.
وبالتأكيد إن هذه التكتيكات والمناورات التي يقومون بها لا تنطلق من فراغ، بل هي ضمن استراتيجية مدروسة الهدف منها الوصول إلى السلطة والثروة عن طريق استخدام الديمقراطية التعددية كمطية سهلة يركبون على ظهرها ويستخدمونها كمعول يهدمون به كل ما توصل إليه التونسيون من مكاسب وطنية على كافة الصعد، لكن ألاعيبهم تلك مكشوفة والشعب التونسي لهم بالمرصاد.
*كاتب إماراتي