د. محمد موسى العامري يكتب:

تطبيع الهدنة هدفه فرض واقع تشطيري جديد يتناغم مع مسار الانفصاليين لتمزيق اليمن

الرياض

 استبشر اليمنيون بالهدنة المؤقتة بين الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها من جهة ، وبين الحوثيين ومن خلفهم من جهة أخرى ، واعتبر الغالبية هذه الهدنة مؤشراً إيجابياً نحو بوابة السلام المستدام في اليمن وهو أمر - بلا ريب - يجب أن يتطلع إليه جميع العقلاء الحريصون على حقن الدماء ، ورفع المعاناة عن الشعب اليمني ، التي تسبب بها الإنقلاب والتمرد الحوثي على مؤسسات الدولة منذ عام ٢٠١٤ م وما ترتب على ذلك من الكوارث و سفك الدماء وتهجير ونزوح الناس ، ونهب الممتلكات العامة ، والخاصة ، وقمع الحريات من قبل هذه المليشيات .

وبالنظر إلى أبعاد الهدنة في اليمن وتداعياتها يمكن الإشارة الى الآتي :-

أولا : جانب الحوثي .

مليشيا الحوثي ، منذ أن ظهرت فتنتها ، وأطلت بقرونها ، وهي تعتدي على اليمنيين وتستبيح دماءهم ، ثم تبرم الإتفاقيات مع الدولة ، أو مع القبايل وغيرهم ، ومع ذلك فقد عرفت بغدرها ونكثها للعهود كمن قال الله عنهم ( أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٌ مِّنْهُم ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) وهذا الأمر لا يحتاج الى تدليل عليه لشيوعه وظهوره .

ومن المؤكد أن هذه الهدنة لن تختلف عن سابقاتها ، وسيجعلونها محطة للتحشيد وترتيب صفوفهم للمزيد من التمدد والتعدي ، وخير دليل على ذلك استمرارهم في خروقاتها ، وعدم التزامهم بلوازمها .

ثانياً :- الجانب الحكومي .

التزمت الحكومة ومن يدعمها بجميع بنود الهدنة التي أشرفت عليها الأمم المتحدة ، وسهلت ممرات جميع المنافذ البحرية والجوية ، بينما لم تلتزم مليشيا الحوثي بما عليها بإقرار الرعاة الدوليين ، مواصلين حصارهم لكثير من منافذ المناطق وأبرزها تعز - طريق الحوبان - الذي أصبح بوابة لسجن وتعذيب أبناء المحافظة ، في ظل صمت دولي مريب ، وتدليل لهذه الفاشية ، التي نالت من الإمداد والرعاية ما هو معلوم للجميع .

ثالثاً :- تمديد الهدنة وتثبيتها .

هناك جهود دولية وإقليمية مكثفة تبذل لتمديد الهدنة وتطبيعها ، وبالتزامن يجري حديث مستفيض في المشاورات والحوارات والأروقة الدولية في ما يخص تقديم الخدمات الأساسية للناس خلال فترات الهدنة ، ومنها رواتب الموظفين في الخدمة المدنية وإصدار الجوازات في مناطق سيطرة الحوثي والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية والإغاثة الإنسانية والإفراج عن الأسرى والمختطفين والمخفيين قسراً والاقتصاد والعملة وغير ذلك من مفردات بناء الثقة .

وفي جميع ما له صلة برفع المعاناة عن الناس تصر مليشيا الحوثي على التكسب السياسي بمعاناة الشعب غير آبهةٍ بما يناله من أنواع العنت والتعاسة التي تسببوا بها .

وبالنظر إلى حال طرفي النزاع في اليمن - الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي - حول تمديد فترات الهدنة نجد أن الطرفين يرحبان بالهدنة ، مع اختلاف في الغايات والمقاصد التي تسعى لها المليشيا الحوثية من الهدنة وأهمها الآتى :-

1- سعيها الحثيث - مع داعميها الإيرانيين وغيرهم - لإضعاف المركز القانوني للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً وإقليمياً ، ليتسنى لها حينئذ الوصول إلى تثبيت شرعية انقلابها وتمردها على مؤسسات الدولة ، ويؤزّها في هذا الإتجاه ما تلقاه من غض الطرف عن جرائمها ، والتغافل عن القرارات الدولية الصادرة بحقها ، من قبل الجهات ذات العلاقة .

٢- مواصلة التحشيد الطائفي للزجّ بالمخدوعين بها في حروبها العبثية مستغلين فرصة الهدنة ، للمزيد من التعبئة ، واستيراد المزيد من العتاد والأسلحة.

3- المتاجرة السياسية بمعاناة الناس ، ونهب المعونات الإنسانية ، التي تسلم لهم من قبل المنظمات الدولية وتسخيرها في إطالة أمد الإنقلاب ، وكذا تعنتها حول مرتبات الخدمة المدنية ، إذ تصر على الإستحواذ على إيرادات الموانئ والجبايات وما تفرضه على الناس مخالفاً للقانون اليمني، من الجبايات والضرائب والجمارك في مداخل المحافظات ، وجميع الأتاوات لما يسمونه المجهود الحربي، مضافاً إليه إتخام المشرفين والمتنفذين الذي يعني الإستمرار في قتل أبناء اليمن لغرض التسيد والإستيلاء على السلطة بالعنف والترويع ومصادرة الإرادة الشعبية .

٤-تطبيع الهدنة وفرض واقع تشطيري جديد، يتناغم مع المسار الانفصالي الذي يحقق لها تمزيق اليمن، وشرذمته إلى كنتونات ، ومناطق نفوذ متعددة ، تكون هي الطرف الأقوى فيها ، وبهذا تكون قد حققت أهم وأبرز الأهداف التي صُنعت المليشيات الحوثية الإيرانية لأجلها ،

وختاماً .

فإنه وبدون استعادة مؤسسات الدولة وإنهاء الإنقلاب ، لن يكون هناك سلام حقيقي ، وسيستمر الحوثيون ، في غطرستهم وتعيشهم من الحرب ، وإيقاد نيرانها ، لأن السلام بالنسبة لهم يعني :-

1- تخليهم عن العمالة والتبعية لمشروع ولاية الفقيه الإيراني ودون هذا خرط القتاد فهم أدوات لا يملكون من أمرهم شيئاً إلا ما يمليه عليهم أسيادهم في طهران .

2-جنوحهم لمبدأ المساواة مع الشعب اليمني وترك التسيد على الناس والتعالي العنصري ، وادعاء الإمتيازات التي ما أنزل الله بها من سلطان وفي مقدمتها حق الولاية على الناس باختيار ديني واصطفاء إلهي .

3- كبح جماح اللصوصية فيهم التي أطلقت أيديهم في نهب ممتلكات الناس والإثراء من المكوس والجبايات وسائر أنواع الأتاوات التي فتحت شهيتهم ليكونوا أكّالين للسحت واضعين أيديهم على حقوق الناس بالباطل دون أيّة التزامات نحو المواطنين، وهو من أغرب الإنقلابات وخلافاً للمعهود حيث تتولى الجهة الإنقلابية آثار انقلاباتها غرماً وغنماً - ماعدا الإنقلاب الحوثي - الذي يأخذ الغنم من انقلابه المشئوم ويطالب الحكومة الشرعية بدفع الغرم الذي تسبب به انقلابه .

بوابة الأمل والسلام الحقيقي

ولعلّ بارقة الأمل والسلام الحقيقي أنّ الشعب اليمني قد أدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى ، أن مواجهة هذه الفتنة العمياء ، يكمن في توحيد صفوف اليمنيين وقطع دابر الفتن والصراعات البينية في ما بينهم والتي يقوم الحوثيون بتغذية كثير منها عبر أدواتهم التي تتخادم معهم في الباطن، وتقوم بمهمة الوجه الآخر للحوثيين، وقد استبشر اليمنيون مؤخراً بتشكيل المجلس القيادي الجديد بقيادة الدكتور رشاد العليمي مؤملين أن يكون تأسيسة انقاذاً للشرعية ، وتصحيحاً لمسارها .

كما أن من ضرورات المرحلة، على المستوى الإقليمي ، مواصلة وقوف الأشقاء في التحالف العربي مع إخوانهم بالمزيد من الدعم و المساندة حتى تستقر مؤسسات الدولة وتقوم بضبط مواردها ومكافحة الفساد المستشري في بعض مؤسساتها وتوحيد مؤسساتها - وبخاصّة - وزارتي الدفاع والدخلية ، والمؤسسات الأمنية ، والأهم من ذلك كله هو إيجاد نموذج الدولة المنشودة في المناطق المحررة ، وتفعيل المؤسسات الخدمية والقضائية وفتح آفاق لجذب الإستثمار وتحسين المستوى الاقتصادي ، وتثبيت العملة ، وإعادة الأعمار وإزالة آثار ما دمرته الحرب وتحقيق الأمن ومكافحة أدوات الجريمة بمختلف أنواعها .

وعلى المستوى الأخلاقي والقيمي والإيماني يتطلب الأمر أن يعي الجميع أنه مانزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة وما حركة الحوثيين إلا صورة مكررة من حركات الطوائف والجهات الفاشية التي تظهر حين ضعف الوعي وغياب الرابطة الإيمانية لتحل محلها العصبيات البغيضة والنعرات الجاهلية بمختلف مسمياتها التي لادواء لها سوى بالعلم النافع والعمل الصالح في مختلف محطات الحياة .

فالتوبة إلى الله والعودة إلى كتابه وسنة رسوله صلى عليه وسلم هو مفتاح النصر وكشف الكربات والتخلص من هذه الطفيليات وبناء مجتمع حضاري إيماني يسوده العدل والحقوق والحريات المشروعة.

  • - وزير سابق وقيادي بارز في تنظيم إخوان اليمن الممول قطريا