هانز فيرنر سين يكتب:

نهاية الأمور المجانية في الاتحاد الأوروبي

لندن

لقد كان بإمكان البنك المركزي الأوروبي حتى وقت قريب، وبكل بساطة أن يحل مشاكل منطقة اليورو من خلال المال، ولكن لم يعد هذا ممكناً في مواجهة التضخم، لذا فقد طور البنك الآن آلية جديدة «لمكافحة تفتت الأسواق المالية»، وهي أداة حماية الانتقال من أجل حماية الدول الأعضاء المثقلة بالديون في حالة ارتفاع تكاليف الاقتراض الخاصة بها (عوائد السندات السيادية) بدرجة أعلى بكثير من تلك المتعلقة بالدول الأعضاء الأقل مديونية.

إذا دعت الحاجة إلى ذلك فسيقوم البنك المركزي الأوروبي بمبادلة سندات الدول الأعضاء منخفضة الديون بسندات الدول الأعضاء ذات الديون المرتفعة في محفظته، وبالتالي تقليل فرق سعر الفائدة بينهما.

ومن سيقرر عندما تستدعي الحاجة لعمل ذلك؟ سيقرر البنك المركزي الأوروبي ذلك وحده.

إن أداة حماية الانتقال تنطوي على المشاكل لأسباب عديدة ليس أقلها أن فروق أسعار الفائدة هي جزء لا يتجزأ من وجود سوق رأس مال واتحاد يعملان بشكل فعال. تجدر الإشارة إلى أنه في حين تشير فروق العائد إلى معدلات الفائدة الاسمية المتفق عليها على الورق، لا يتم دفع أسعار الفائدة هذه على الإطلاق في حالة الإفلاس.

ومن أجل معرفة معدلات الفائدة الفعالة والمتوقعة حسابياً لجميع البلدان، فإن سوق رأس المال الفعال يحدد تلك المعدلات وفقاً لمستوى مخاطر الدولة. إذا أصبحت دولة ما مثقلة بالديون فسوف تزداد مخاطر إفلاسها، مما يجعل المستثمرين يطالبون بعلاوة مخاطر على شكل معدلات فائدة أعلى، حيث تؤدي المعدلات المرتفعة إلى قيام الحكومة بتقليل اقتراضها، وبالتالي يمنع السوق تلقائياً الديون المفرطة.

وعلى النقيض من ذلك فإن التدخل لتقليل فروق أسعار الفائدة يعني تقديم الدعم لاقتراض البلدان المثقلة بالديون على حساب البلدان الأقل مديونية، والتي يجب أن تتحمل أعباء فائدة اسمية وفعلية أعلى نتيجة لذلك. إن من المتوقع نشوء معارضة من دافعي الضرائب في هذه البلدان، واعتراضات من محاكمها الدستورية.

يدخل النظام الأوروبي في مرحلة خطرة، فلقد ولت الأيام التي كان يمكن فيها للبنك المركزي الأوروبي تبني برامج شراء الأصول لتوفير الأموال المطبوعة حديثاً للدول الأعضاء دون إحداث تأثيرات سحب في أي مكان آخر، أما حالياً فإذا طبع البنك المركزي الأوروبي أموالاً جديدة لغرض التمويل الحكومي، فسيتم أخذ تلك الأموال من أصحابها بمنطقة اليورو، وذلك من خلال التضخم؛ وإذا طبق البنك أداة مكافحة التجزئة الخاصة به، سيكون بذلك يعيد توزيع موارد الميزانية بين الدول الأعضاء- وهو عمل سياسي واضح.

نظراً لأزمات اليورو المتلاحقة، التي تلت انهيار ليمان بروذرز سنة 2008 فإن تمويل الإنفاق العام من خلال طبع النقود كان المحرك الرئيسي للتوسع النقدي، ومنذ صيف 2008 فإن نسبة لا تقل عن %83 - 5.3 تريليونات يورو (5.43 تريليونات دولار) - من إجمالي فائض أموال البنك المركزي (بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وعلى المستوى الذي ثبت أنه كافٍ) أتت من شراء الأوراق المالية الحكومية.

إن تلك المشتريات سمحت للحكومات لفترة وجيزة أن تحصل على المزيد من الدين (في انتهاك لسقف الدين ضمن النظام الأوروبي) بدون إغضاب المستثمرين، وبينما أسهم الدين في تحفيز الطلب الكلي وأبقى البطالة منخفضة، لم تحصل التأثيرات الثانوية التضخمية الناجمة عن توسع المعروض الائتماني للبنوك، لأن الأموال المتداولة حديثاً كان يتم تخزينها من قبل البنوك والأفراد،لكن الظروف تغيرت حيث أدت جائحة كوفيد 19 إلى التضخم المصحوب بركود. إن الإغلاقات وإجراءات الحجر الصحي قد أدت إلى الحد من الإنتاج وتسببت في مشاكل بالعرض في كل مكان وهذه القضايا مستعصية على الحل وخاصة في الصين، وفي الوقت نفسه فإن حرب روسيا في أوكرانيا وغيرها من العوامل قد خلقت نقص العرض الانتهازي في قطاع الوقود الأحفوري وكانت النتيجة حدوث تضخم كبير يتجاوز بكثير تأثيرات أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي.

عندما يكون هناك تضخم مصحوب بالركود فإن التمويل الحكومي من خلال طبع الأموال لم يعد صالحاً، وذلك لأنه يؤدي فقط إلى زيادة التضخم والاضطرابات الاجتماعية وخاصة بين الناخبين من الطبقة المتوسطة، والذين يخشون وهم محقون في ذلك على مدخراتهم، وفي ظل هذه الظروف لا يمكن تأمين الدول المثقلة بالديون والجدارة الائتمانية للأنظمة المالية إلا من خلال برامج المساعدة المالية الدولية الممولة بالضرائب- وليس الديون، لكن من المؤكد أيضاً أن زيادة الضرائب ستواجه مقاومة شديدة من الناخبين. يمكن اعتبار أداة حماية الانتقال واحدة من تلك البرامج، لأنها تؤدي إلى تحقيق تأثيرات إعادة التوزيع بين ميزانيات الدول.

إن هذا يعني أن البنك المركزي الأوروبي لديه معضلة، فلو أراد الاستمرار في مساعدة الحكومات التي تتعرض لضغوط شديدة من خلال شراء سنداتها فيمكنه تأمين الموارد التي تحتاجها تلك الحكومات، وذلك من خلال تضخم عدائي على حساب أصحاب الأموال، أو يمكن أن يؤمن لبعض الحكومات الموارد التي تحتاجها على حساب الحكومات الأخرى.

في كلتا الحالتين انتهى العرض المجاني، الذي تقدمه طباعة النقود الخالية من التضخم، وفي سياق التضخم المصحوب بالركود، فإن سياسة الطلب الكينزية لتحفيز النشاط الاقتصادي لن تؤدي إلا إلى زيادة التضخم، وفي هذه الحالة سيكون من الصحيح إلقاء اللوم على البنك المركزي الأوروبي لو استمر في شراء السندات الحكومية، لكن استخدام أداة حماية الانتقال هي عبارة عن إعادة توزيع بين الدول الأعضاء، مما يؤدي إلى موجات احتجاج وعواقب قانونية وخيمة.

إن الخيار الوحيد الآخر هو عدم فعل أي شيء مما قد يؤدي إلى اضطراب أسواق رأس المال. إن من الممكن أن البنك المركزي الأوروبي يقف الآن في مواجهة أكبر اختبار له حتى الآن.