عمران سلمان يكتب:

الإسلاميون وحقوق الطفل الأردني!

لندن

الشكوى من المؤامرات الخارجية والتدخلات الأجنبية في شؤون بعض البلدان والمجتمعات العربية والإسلامية أصبحت حالة مرضية مزمنة مستعصية على كل علاج. بل أنها اتسعت وانتشر نطاقها وبات من الصعب السيطرة عليها.

كلما واجهت هذه الدولة أو تلك تحديات من أي نوع أشارت بأصابع الاتهام إلى جهات خارجية (في الغالب وهمية ولا وجود لها) وحملتها مسؤولية ما يجري لها وفيها.

الغريب أنه عندما تأخذ هذه الدول المساعدات الاقتصادية والعسكرية وغيرها من الدول الكبرى أو عندما توقع على اتفاقيات من هذا النوع لا نسمع شيئا عن التدخل الخارجي أو المؤامرات الأجنبية! هذه الاسطوانة يتم تشغيلها فقط عندما يتعلق الأمر بالحقوق والحريات وقيم العصر وبضمنها المواثيق الدولية.

في الأيام الماضية كان هناك صخب وجلبة في الأردن بسبب تقديم الحكومة للبرلمان مشروع قانون حقوق الطفل لسنة 2022.

وهو قانون أقرته الحكومة في أبريل الماضي وجاء بعد سنوات من التعثر والمماطلة في إقرار قانون يوفر الحماية الأساسية للأطفال بحسب ما تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي وقع عليها الأردن.

لكن نوابا في البرلمان بينهم إسلاميون وقوميون وحكوميون أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ضد مشروع القانون. فقد اعتبروا أنه يأتي تنفيذا لأجندة خارجية وأنه تدخل في شؤون الدولة والمجتمع ويهدف إلى تفكيك بنية الأسرة الأردنية واستهداف الجيل القادم.. إلى آخره.

بل أن الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة ذهب أبعد من ذلك حيث هدد كل من يريد نزع العروبة والإسلام من الأردن بنزع روحه قبل ذلك.

هؤلاء ركزوا على مسألتين، جاءتا في الاتفاقية الدولية بوضوح وهما (المادة 14 من الاتفاقية) المتعلقة بحرية الفكر والدين حيث "الأطفال أحرار في تكوين الأفكار والآراء وتحديد دينهم، طالما أنّ ذلك لا يمنع الآخرين من التمتّع بحقوقهم. يمكن للوالدين توجيه أطفالهم كي يتعلموا استخدام حقوقهم بشكل مناسب أثناء نموهم".

والثانية المتعلقة بحماية الخصوصية، حيث تنص (المادة 16 من الاتفاقية) أنه " يحق لكل طفل التمتع بالخصوصية. على القانون أن يحمي خصوصية الأطفال، وأن يحمي عائلاتهم وبيوتهم واتصالاتهم وسمعتهم من أي اعتداء".

لكن مشروع القانون الأردني وإن كان يغطي بوضوح مسألة الخصوصية فإنه لا يأتي على ذكر حرية الفكر والدين صراحة.

لكنه يلمح إلى إمكانية لجوء الأطفال (أو من يساعدهم) للاتصال بالأجهزة المختصة للشكوى ضد الأب أو الأم أو الشخص الموكل بالرعاية في حال تعرضهم لإساءة المعاملة، كما هو معمول به في معظم الدول الغربية.

كما أنه وسع من دائرة أشكال العنف والإساءة بحق الطفل بحيث تشمل الجوانب النفسية والجسدية والجنسية. واعتبر أن صفة الوالدين أو الشخص الموكل برعاية الطفل لا تشكل عذرا لارتكاب أي فعل من هذه الأفعال.

في المجمل كما هو واضح فإن الهدف من القانون هو ليس الإساءة للأسرة وإنما حماية الأطفال من سوء المعاملة والعنف ومن تسلط الكبار عليهم سواء تحت مسميات "التأديب" أو "التربية" أو "ضبط السلوك" أو "صون الشرف" وغيرها من المسميات التي لها هدف واحد وهو السيطرة والتحكم في الطفل، وبرمجته دينيا، واجتماعيا، وسياسيا. وإذا اقتضى الأمر ممارسة أقصى أشكال العنف والقهر لإخضاعه.

وأي محاولة لإبطال هذه السيطرة أو تحجيمها أو وضعها تحت مجهر القانون، تصيب الكثيرين في مجتمعاتنا وخاصة المحافظين والمُؤَدْلَجين والإسلاميين بينهم تحديدا بالفزع.

فنشاط هؤلاء قائم على تجنيد الأطفال وغسل أدمغتهم منذ الصغر (مدارس التحفيظ والمعسكرات والدورات.. الخ) كي يحصلوا على أعضاء جدد ومقاتلين وناشطين.. إلخ.

اذ لا يوجد عاقل ينخرط في هذه المنظمات الإرهابية المتخلفة وهو في سن ما بعد المراهقة، إلا إذا كان يعاني من مشكلات نفسية!

لذلك فان تشجيع تحرير الأطفال وتخليصهم من قبضة هذه المنظمات والجمعيات والمدارس الإسلامية أو القومية أو الأيديولوجية عموما عبر منحهم حرية الاختيار وتربيتهم على الاستقلالية والروح النقدية من شأنها أن تنقذ مستقبلهم ومعه مستقبل هذه المجتمعات.

وإذا تزامن ذلك مع تغيير أنظمة التعليم وبرامجه فمن شان هذا أن يحدث فارقا هائلا في المجتمع.

المشكلة أن أجيالا عديدة تربت على أن الطفل وما يملك ملكا لأبويه، وهي نفس المشكلة أيضا في النظرة إلى المرأة، ومن النادر أن يعاقب الأبوين على الإساءة لأطفالهم حيث تغض السلطات وكذلك المجتمع النظر عن مثل هذه الجرائم، الأمر الذي يجعل مجتمعاتنا تنتج باستمرار أجيالا مشوهة نفسيا واجتماعيا وسياسيا.