حازم عياد يكتب:
أسرار وخفايا تدهور العلاقات الإسرائيلية-الروسية
نشرت السفارة الروسية في القاهرة تعليقها الثاني على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عبر حسابها على تويتر يوم أول أمس الثلاثاء قالت فيه: "قارِنوا كذب يائير لبيد بشأن أوكرانيا، في أبريل، ومحاولات إلقاء اللوم والمسؤولية على روسيا في وفيات الناس في بوتشا الذين قتلهم بشكل وحشي النازيون في أوكرانيا، مع دعواته في أغسطس إلى القصف والضربات على الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة؛ أليس ذلك معاييرا (أخلاقية) مزدوجة وتجاهلا واحتقارا كاملا لحيوات الفلسطينيين؟!" .
رغم أن موقع السفارة الروسية في القاهرة لخص وباختصار أحد أبرز أوجه التدهور في العلاقة الروسية الإسرائيلية بالحديث عن المعايير المزدوجة لقادة الكيان في التعامل مع الملف الأوكراني؛ إلا أن ذلك لا يمثل القصة كاملة؛ فتدهور العلاقات الروسية الإسرائيلية يملك أوجه متعددة جعلت منه قدرا محتوما يصعب الفكاك منه باتصالات دبلوماسية أو مكالمات هاتفية؛ كان آخرها يوم أول أمس الثلاثاء 9 آب (أغسطس) الحالي بين رئيس الكيان يتسحاق هرتسوغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ لمناقشة التدهور الحاصل في العلاقات بين الكيان وروسيا الذي كان عنوانه الرئيس إغلاق مكاتب الوكالة اليهودية في روسيا.
فالوكالة اليهودية والمؤسسات الممولة إسرائيليا فتحت ثغرة أمنية خطيرة؛ لم يقتصر خطرها على نزيف العقول الروسية بتهجيرهم إلى الكيان الإسرائيلي؛ بل وشملت جمع المعلومات عن الخبراء والكفاءات العالية في مختلف المجالات التكنولوجية والعلمية لتهجيرها من روسيا؛ فاتحة بذلك ثغرة مكنت حلف الناتو من جمع البيانات والمعلومات عن المؤسسات العلمية والتقنية الروسية واستنزافها بل واختراقها أمنيا؛ ولعل ما حدث مع (الكسندر شيبليوك) مدير مشروع الصواريخ الفرط صوتية الذي اعتقلته موسكو مع عدد من العلماء والخبراء بتهمة الخيانة بحسب وكالة تاس الروسية؛ يعد أحد الأوجه المحتملة لهذا النشاط المشبوه لإسرائيل والوكالة اليهودية.
روسيا التي تخضع لعقوبات أمريكية وأوروبية؛ لا ترى في الكيان الإسرائيلي تهديدا أمنيا وخصما سياسيا لا يقتصر دوره على انتقاد روسيا وعملياتها الخاصة في أوكرانيا؛ بل وسببا في إعاقة تطوير علاقتها مع إيران التي تشاطرها وجع العقوبات وكلفه المرتفعة دون أن يكون لذلك مردود سياسي أو استراتيجي على روسيا بل تحول إلى عبء يعيق قدرة روسيا التكيف مع متطلبات الحرب الأوكرانية والتدهور في العلاقة مع أمريكا وأوروبا.
إيران تحولت عقب الحرب الأوكرانية إلى عمق استراتيجي لروسيا بالإمكان الاعتماد عليه لتعزيز أمن روسيا وقدرتها على الصمود في مواجهة العقوبات ومحاولات الحصار الجيوسياسي؛ وهو ما وجد صداه في تطوير العلاقات بين موسكو وطهران ليشمل التعاون في المجالات التكنولوجية ومن ضمنها تكنولوجيا الفضاء (الأقمار الصناعية) والطائرات المسيرة.
فإيران التي فاوضت روسيا منذ عام 2018 لشراء قمر صناعي روسي الصنع Kanopus-V المزود بكاميرا بدقة لا تتجاوز 1.2م؛ تمكنت يوم أول أمس الثلاثاء 9 آب (أغسطس) وبمساعدة روسية من تحقيق إنجاز أبعد من ذلك بإطلاق قمرها الصناعي (الخيام) بواسطة صاروخ (Soyuz) من قاعدة بايكونور في كازخستان متحدية بذلك العقوبات الأمريكية والاعتراضات الإسرائيلية.
روسيا التي تخضع لعقوبات أمريكية وأوروبية؛ لا ترى في الكيان الإسرائيلي تهديدا أمنيا وخصما سياسيا لا يقتصر دوره على انتقاد روسيا وعملياتها الخاصة في أوكرانيا؛ بل وسببا في إعاقة تطوير علاقتها مع إيران التي تشاطرها وجع العقوبات وكلفه المرتفعة دون أن يكون لذلك مردود سياسي أو استراتيجي على روسيا..
إطلاق القمر الصناعي الإيراني الذي جاء حصيلة لتعاون روسي إيراني؛ تزامن مع اتصال هرتسوغ رئيس الكيان الإسرائيلي ببوتين يوم أول أمس الثلاثاء لمناقشة تدهور العلاقات الروسية الإسرائيلية للمرة الثانية في أقل من أسبوعبين وبدون جدوى.
التعاون الإيراني ـ الروسي لم يقتصر على الفضاء بل شمل المسيرات بعد أن ذكر تقريرا صادرا في 5 آب (أغسطس) الجاري لمعهد دراسة الحرب الأمريكي تسليم إيران 46 طائرة بدون طيار إلى روسيا، لتستخدمها موسكو في أوكرانيا؛ فاتحة الباب لإمكانية شراء إيران مقاتلات Su-35 الروسية المتطورة؛ بحسب ما أورد الكاتب الروسي غبريال هونرادا في مقالته المنشورة على موقع (آسيا تايمز) بعنوان (روسيا تقدم يد العون لايران في الفضاء) إذ ينقل عن المحلل الدفاعي بول إيدون في مقال على مجلة فوربس قوله سيكون هذا أول استحواذ كبير على طائرات مقاتلة إيرانية وسيحل محل طائرة F-14 الأمريكية القديمة التي حصلت عليها طهران في عام 1976 خلال عهد محمد رضا شاه قبل الثورة الإسلامية عام 1979.
ختاما.. ما يحدث بين روسيا والكيان الإسرائيلي أكبر من أن يلخص في تغريدة للسفير الروسي غيورغي بوريسينكو أو للسفارة الروسية في القاهرة تعليقا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ فالعلاقات الروسية الإسرائيلية ما بعد أوكرانيا دخلت مرحلة جديدة يصعب العودة فيها للخلف بعد أن أصبحت محكومة بشبكة تزاد تعقيدا من المصالح التي تربط روسيا بالمنطقة العربية وغرب آسيا وتربط الكيان بأوروبا وأمريكا.
ذات النموذج المعقد للعلاقات الإسرائيلية الروسية متوقع تكراره ما بين الكيان الإسرائيلي والصين على خلفية أزمة جزيرة تايوان؛ فاتحا بذلك أفقا جديدا للقوى الحية والدول الباحثة عن توازن طال انتظاره في المنطقة العربية وغرب آسيا لتعزيز قدرتها على مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني.