رانيا عثمان النمر تكتب:
الاردن: اليد الناعمة على الإرهاب…. واليد الخشنة على الحريات
يقف المفكرون والمثقفون حائرون أمام كيف يفكر عقل الدولة الأردنية، وكيف يحدد هذا العقل أولويات الدولة، وكيف ينظر لمستقبل الأردن على كافة الصعد.
لقد استدار هذا العقل تماما، ليس فقط عن المفكرين وكبار الكتاب والنخبويين والإقتصاديين والأكاديميين، انما ايضا يبدو أن بوصلته الأمنية تائهة في ملفات الفضاء الإلكتروني.
تبنى عقل الدولة الأردنية تشريعات جديدة تخص الجرائم الإلكترونية وهذا استحقاق طبيعي ومهم جدا، كاستجابة للثورة الرابعة التي غيرت مجرى التاريخ وهي ثورة تكنووجيا الأتصالات.
استحدث الجسم التشريعي قوانين وما يتبعها من عقوبات رادعة كإستجابة لحالة الفوضى المجتمعية والسياسية التي سادت الفضاء الألكتروني ولتحدد الخط الفاصل بين حرية التعبير وما هو غير ذلك.
استنفر عقل الدولة الأمني تجاه بعض الحراكيين وبعض الناشطين كونه يهدد النظام ومصالح الدولة العليا، عبر ملاحقتهم أمنيا واعتقالهم على منشورسياسي عادي يقع ضمن حرية الرأي والتعبير المصون وفق التشريعات النافذة في الأردن.
في المقابل تفسح الفضاء الألكتروني علانية جهارا نهارا للخوارج والتكفيريين ضد النظام اولا وضد المجتمع ثانيا، ويهدد أمنه واستقراره فيسرح ويمرح في هذا الفضاء وله كل المساحة على كل المنصات الإلكترونية.
إن إتاحة المجال للتكفيرين الجهاديين في الأردن بتصدر الفضاء الألكتروني على مرأى ومسمع من الأجهزة الأمنية هو خرق واضح لمفهوم مكافحة الأرهاب الذي تتبناه الدولة الأردنية.
ان خطر الأرهاب وجماعاتها المسلحة من داعش واخواتها لا يأتي من الدول المجاورة فقط, والمشهد الدموي العابرللدول، هو مجرد نتيجة حتمية لأفكار وأيدولوجيات موجودة ولها حواضن اجتماعية تتسلل وتتغلغل “بإسم الدين” .
يطل علينا أحدهم بمحتوى يتعلق بالتحريض وزعزعة النظام وتهديد الأمن والسلم المجتمعي، يطل عبر فيديوهات تبث افكار تتلخص في إقامة الخلافة على طريقة داعش عن طريق اتباع استراتيجية وحيدة للتغيير وهي” العنف” عبر اعتماد آليات الأرهاب والقتل بمسوغات فكرية ونظريات وأفكار تبرر قتل واستهداف المدنيين وضرب كافة مكتسبات الدولة ومنشاتها ومسؤوليها باعتبارهم جميعا كفارا وطواغيت كل ذلك يتم عبر رسائل مبطنة لا تخفى على المنظومة الأمنية الأردنية.
يستعين هذا الفكر التكفيري بآيات مجتزءة من القرآن وخارج سياقها وخارج مضمونها لينشر أحد النظريات المشهورة لديهم والمحرفة طبعا وهي نظرية “الولاء والبراء” و”الحاكية والطاغوت” و”الفريضة الغائبة” وغيرها ويستخدمها لغسل عقول افراد المجتمع الأردني ويكفرهم ويحرضهم على أخوانهم وأبناء جلدتهم باعتبارهم كفارا ومرتدين.
تشكل صفحته والذي “بارك قيام داعش” ظاهرة في الفضاء الألكتروني العربي، تعمل على توجيه الرأي العام باتجاه الأرهاب وتستقطب شباب العالم العربي، وبملاحظة الأرقام نجد أن متابعي هذه الفيديوهات يصل الى ربع مليون شخص، ومتابعي الصفحة تفوق الثلاثة ملايين، يعنى أن طبيعة الخطاب والمحتوى هو مصنع وخزان لأفكارالسلفية التكفيرية الجهادية يستهدف الجيل الجديد وبالتالي نحن أمام عدد لا يستهان به من ذئاب منفردة وخلايا نائمة جاهزة لعمليات أرهابية تهز مضاجعنا وتوصلنا لمى لا يحمد عقباه.
تضع هذه الجماعات بصفتها “حراس الشريعة” النظام والشعب في بوتقة واحدة ككفار وطواغيت، باعتبارها لا تحكم ولا تأتمر بالشريعة وعليه ينفذ بالجميع حكم المرتد.
أن التعامل بيد ناعمة مع السلفيين الجهاديين والتساهل في موضوع استقطابهم للعوام عبر وسائل التواصل يصبحوا مريدين واتباع، قابلين للتجنيد والإنخراط داخل هذه المنظومة وبالتالي جهوزيتهم الفكرية للإرهاب والتطرف باعتباره “جهادا”.
ان قراءة ما بين السطور والتمييز بين ما هو دعوي يقوم على الحكمة والموعظة الحسنة ونشر قيم ومبادئ الأسلام وبين ما هو فعل سياسي تحريضي عنيف هو واجب الأجهزة الأمنية ويقع على عاتق الدولة حماية أمننا واستقرارنا.