إيفين إسماعيل تكتب:
مخاطر تبييض وجه جماعة الإخوان المسلمين
يحاول كتاب يواس فاخيماكرز: «الإخوان المسلمون: الأيديولوجية والتاريخ والأحفاد»، الصادر هذا العام (2022)، الدفاع بصورةٍ لافتة عن جماعة الإخوان المسلمين، من خلال حشد كمٍّ من المعلومات عن الجماعة لمحاولة اقناع القارئ بأنها حركة ديمقراطية وبراجماتية ومتنوعة. ويبين أن الجماعة قد طوّرت أيديولوجيتها وتكتيكاتها من أيديولوجية عنيفة “في مرحلة مبكرة” إلى أخرى “سلمية معاصرة”.
والمقصود بالمرحلة المبكرة حقبة الخمسينيات وما قبلها. ويزعم المؤلف أنه منذ حقبة الستينيات، توقفت جماعة الإخوان المسلمين عن استخدام العنف، واتباع تعاليم سيد قطب، واختارت اتباع تعاليم وممارسات حسن الهضيبي السلمية. علاوة على ذلك، يدافع بأن الجماعة قد تخلّت عن رغبتها في تطبيق الشريعة وتحقيق الدولة الإسلامية، وبالتالي، ينبغي النظر إليها على أنها أحرزت تقدمًا في سبيل التحول نحو السلمية. ويجادل المؤلف في جميع أنحاء الكتاب بأن جماعة الإخوان المسلمين أضحت قوة ديمقراطية في العديد من الدول المختلفة.
من جانبٍ آخر من المهم الإشارة إلى أن دفاع الكتاب عن الإخوان يرتكز على محاولة تبديد نظريات المؤامرة والأساطير المحيطة بالجماعة على سبيل المثال، يجادل المؤلف بأنه لا توجد مؤامرة دولية للإخوان المسلمين. لعل الحجة الأكثر إقناعًا المقدمة في الكتاب هي أن الجماعة يعتريها الضعف والانقسام وعدم التنظيم والتنسيق، بحيث إنها لم تعد تشكِّل مؤامرة. ورغم أن الكتاب يزخر بالمعلومات حول تنوع جماعة الإخوان المسلمين وتطورها، فإنه يغفل العديد من العناصر التي تهدم هذا التحليل، وهذه الصورة المزعومة للجماعة، التي سنناقشها في هذا العرض للكتاب.
حركة وليست تنظيمًا: كيف تدّعي جماعة الإخوان المسلمين أنها غير موجودة؟!
إحدى مثالب الكتاب أنه عند الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين ضد نظريات المؤامرة، فإنه غالبًا ما يكرر حجج الإخوان المسلمين أنفسهم دون تمحيص. ومن ثم، فإن نقطة الضعف الرئيسة في الكتاب هي أنه متساهل للغاية مع جماعة الإخوان المسلمين، ويبذل قصارى جهده لتصويرها كقوة ديمقراطية من خلال انتقاء أدلة بعينها، وإغفال أخرى عديدة. فعلى سبيل المثال، يذكر المؤلف:
إن حقيقة أن المنظمات الأوروبية التي تشكِّل جماعة الإخوان المسلمين كحركة لا تطلق على نفسها اسم “الإخوان المسلمين” ليست نتيجة لخططٍ ماكرة أو أجندات سرية؛ بل تتعلق بأنها ليست في الواقع جزءًا من جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة، في ظلِّ سمعة تلك الجماعة المثيرة للجدل، والخوف المتأصل -المتأتي عبر عقودٍ من القمع- من أن يُنظر إليها وأن تُعامل كإخوان مسلمين. وهكذا، فإن محاولات الإخوان المسلمين لكسب النفوذ في السياسة ومجالس المدارس والمساجد ليست أمثلة على التسلل الخفي، بل على السلوك الذي تتسم به الأحزاب السياسية، والناشطين والمنظمات الأيديولوجية في شتى أرجاء العالم [ص 223].
هذا مجرد مثال واحد على التساهل الشديد مع جماعة الإخوان المسلمين. إذ يزعم المؤلف أن الجماعات التابعة للإخوان المسلمين لا تريد أن ترتبط بالاسم بسبب الخوف من القمع والسمعة المثيرة للجدل، ولكنها في الوقت نفسه تريد أن تُعامل كفاعل سياسي جاد، وألا تتهم باتباع أجندة مزدوجة، تقول شيئًا في العلن، وتفعل شيئًا آخر في السر. هذا الكلام ليس منطقيًا لأنهم هم الذين يجلبون الاتهامات إلى أنفسهم بسبب عدم مصداقيتهم. ولا شك أن مثل هذه الاتهامات سوف تتبدد إذا كانوا صادقين بشأن هويتهم وبرنامجهم الأيديولوجي.
إضافة إلى ذلك، فإن تصرّف الإخوان بهذه الطريقة، دون شفافية، في أوروبا، يأتي على حساب المسلمين والإسلام. أولًا: لأن الناس لا يحصلون على فرصة معرفة من هم (وبالتالي تنشأ ادّعاءات وجود أجندات سرية). ثانياً: أنه يجري تصوير الإسلام على أنه دين رجعي في حين أنه يُمثّل بشكل خاطئ من قبل جماعات أقلية صغيرة رجعية هي جماعات الإخوان، التي تُمنح، على سبيل المثال، مساحات في وسائل الإعلام، غير متناسبة مع حجمها الحقيقي بين المسلمين الأوروبيين.
يمكن مقارنة ذلك بوجود مجموعة تؤمن بتفوق البيض، مستوحاة من النازية تمثل المسيحيين في أوروبا، لكنها تنكر أي علاقة بالنازية لأنها ليست جزءًا من “منظمة الحزب النازي”، وتخشى عواقب الارتباط بمجموعة سيئة السمعة، ومع ذلك فإنها تريد أن تكون فاعلًا سياسيًا جادًا، فقط من خلال تسمية نفسها “مسيحية”. لا شك أن هذا لن يُقبل أو يُؤخذ على محمل الجد، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن إنكار العلاقة بالنازية غير أمين، ولا يخدم سوى غرض حماية المجموعة من التدقيق نفسه الذي تتعرض له الجماعات الأخرى. وهنا، نرى أن تحيّز التوقعات المنخفضة يصب في مصلحة جماعة الإخوان المسلمين.
علاوة على ذلك، يجادل فاخيماكرز بأن هناك حاجة للفصل بين التنظيم والحركة، تمامًا كما تفعل جماعة الإخوان المسلمين. وعليه، فيمكن للجماعات التابعة للإخوان المسلمين ادّعاء أنها ليست مرتبطة بالجماعة لأنها ليست جزءًا من تنظيم الإخوان المسلمين المصري، في حين أن الانتماء إلى الجماعة فضفاض للغاية لدرجة أنه من المفترض أنه يوفر الحماية ضد مزاعم التعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين.
لذا، فمن المفيد التساؤل بشكل نقدي عن هذا الفصل بين التنظيم والحركة والغرض منه. فمن الواضح أن الغرض منه حماية أولئك الذين يؤمنون بأيديولوجية الإخوان المسلمين من مزاعم القيام بذلك بالفعل. إن التركيز على التمييز بين التنظيم والحركة، مع الزعم في الوقت ذاته بأن الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين يعني ضمنًا العضوية في الجماعة، كما يفعل المؤلف، يسمح فعليًا للإخوان المسلمين بإنكار وجودها.
علاوة على ذلك، ربما يجدر بالمرء أن يتساءل أيضًا عما إذا كان التحوّل إلى حركة ليس تطورًا أكثر خطورة من العضوية في التنظيم، بالنظر إلى أن الحركة لديها بنيّة أقل وضوحًا، وبالتالي يمكن أن تتخذ أشكالًا مختلفة عديدة دون مساءلة أي شخص (أو أيديولوجية). وهنا، يمكن توضيح المخاطر التي تشكّلها حركة الإخوان المسلمين، من خلال تأثير الحركات المرتبطة بالإخوان في ظهور تنظيم داعش.
الإخوان المسلمون: الأيديولوجية والعنف
يقول المؤلف:
ومع ذلك، فلم يكن استخدام العنف ضد الدولة سياسة جماعة الإخوان المسلمين مطلقًا. علاوة على ذلك، لقد تخلّت عنه في فترة الستينيات (في مصر) وفترة الثمانينيات (في سوريا) ولم تستخدمه الصحوة أو تدعو إليه على الإطلاق في السعودية [ص 96].
الكلام الوارد أعلاه غير صحيح. فلقد دعَت الصحوة إلى العنف ضد القوات الأمريكية في العراق والدولة العراقية ما بعد صدام حسين من خلال وصفه بالجهاد الإلزامي، وأصدّرت فتوى تجيزه. وحاولت الصحوة إقناع علماء الدين الرسميين السعوديين بأن يفعلوا الشيء نفسه، لكنها قوبلت بالرفض: “لقد أصيب أتباع الصحوة بخيبة أمل لأن العديد من علماء الدين الرسميين أعلنوا أن العنف ضد المدنيين في العراق ليس جهادًا، ويجب رفضه باعتباره فتنة”1.
ودعا سلمان العودة، عالم الدين الذي ينتمي لحركة الصحوة، السعوديين إلى الضغط على الحكومة السعودية لتطهير المملكة من غير المسلمين والشيعة لأنهم، وفقًا له، يلوثون الإسلام2. بالإضافة إلى ذلك، ركّزت الكثير من أدبيات الصحوة، مثل كتابات محمد قطب، على تكفير المسلمين على أساس معاداة السامية، والولاء للدول الإسلامية التي لا يحكمها الإسلامويون، والدعوة في الوقت ذاته لمعارضة “القادة المسلمين الفاسقين”3.
كما أن كلام فاخيماكرز عن أن “بن لادن لم يتحدث بشكل إيجابي عن الصحوة إلا في وقت لم يكن قد أصبح بعد المتطرف الذي سيصبح عليه لاحقا”4، غير صحيح أيضًا. الحقيقة أن “سفر الحوالي وسلمان العودة… كثيرًا ما ذُكرا في بيانات القاعدة في فترة التسعينيات، واستشهد بهما في أول بيان علني لبن لادن عن الجهاد ضد التحالف الصهيوني الصليبي5.
وإضافة إلى سفر الحوالي، مُنظِّر الصحوة، “يُعتبر العودة على نطاقٍ واسع أحد المعلمين الأساسيين لأسامة بن لادن، لأسباب ليس أقلها أن بن لادن كان يستشهد بانتظام باعتقال العودة والحوالي في أوائل التسعينيات، باعتباره مبررًا للتحوّل إلى النضال المسلح المفتوح”6. وكانت مواضيع أشرطة سلمان العودة الصوتية، التي وجدت في منزل بن لادن، تتمحور حول حاجة المسلمين للدفاع عن عقيدتهم ضد “الحكم الفاسد داخل ديار الإسلام”7. ومثل سلمان العودة، فضّل سفر الحوالي مهاجمة “الحكام المسلمين الفاسدين”، وعلى رأسهم السعوديون8.
ووفقًا لفاخيماكرز، فإن جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك مُنظِّرها يوسف القرضاوي، كانت تعارض المشاركة في الحرب العراقية، وجاء تناوله للقرضاوي بشكلٍ عام إيجابيًا. وهذا غير صحيح لأن القرضاوي دعا إلى تفجيرات انتحارية في العراق وإسرائيل في عام 2005، واصفًا ذلك بأنها فريضة على المسلمين9. ويزعم المؤلف أن جماعة الإخوان المسلمين قد هجرت تعاليم سيد قطب، وفي الوقت ذاته يعترف بأن الإخوان المسلمين في أوروبا ما زالوا يقرأون كتاب سيد قطب الأبرز “في ظلال القرآن”. وبالتالي، لا توجد أدلة تُذكر على أن تأثير سيد قطب قد توقّف بعد الخمسينيات، وانتقاد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين لا ينفي تأثيره.
لنأخذ مثالًا بارزًا على ذلك، انتقد المُنظِّر الصحوي محمد سرور جوانب من فكر سيد قطب، ولكنه تأثّر به بشدة أيضًا. في الكتاب، يشير المؤلف إلى أن انتقاد شخصيات، على سبيل المثال، سيد قطب، يعني بطريقة أو بأخرى عدم اتباعها، وهو تبسيط مخلٍ للمسألة. علاوة على ذلك، فإن كتابات سيد قطب، مثل “في ظلال القرآن”، قد تُرجمت إلى الفارسية واستخدمت كمبرر للثورة الإيرانية10. وهذا يدل على أن الإسلامويين يقتبسون من بعضهم بعضًا متى كان ذلك مفيدًا لهم، ومن ثم فإن استبعاد تأثير سيد قطب المعاصر والمستقبلي على الإخوان المسلمين يبدو تحليلًا غير مكتملٍ.
إضافة إلى ذلك، يقدِّم الكتاب عنف حماس الإرهابي في الغالب في سياق الاحتلال الإسرائيلي، وليس في سياق أيديولوجية الإخوان المسلمين المعادية للسامية. المشكلة في هذا المنطق أنه سيسمح بتبرير جميع أشكال الإرهاب عبر إلقاء اللوم على السياق الذي يأتي على حساب الضحايا المدنيين للإرهاب.
الضحايا المدنيون للإرهاب هم نتيجة تبريرات أيديولوجية متطورة للعنف والإبادة الجماعية، وللأسف فإن المؤلف لا يشرح هذه المكونات الأيديولوجية المتطورة من الإسلاموية، ولكن يركز بشكل رئيس على تفسيرات الإسلامويين القائمة على السياقات الخاصة بهم.
وقد فسّر وائل صالح هذه الظاهرة على النحو التالي:
غالبًا ما يبرِّر عدد كبير من الباحثين عنف الإسلامويين، بوعي أو بدون وعي، سواء من خلال إنكار هذا الاتهام تمامًا دون تحليل متعمّق أو من خلال تجاهل شرعنة الإسلامويين النظرية للعنف باسم الدين. هؤلاء الباحثون… يقصرون بحثهم على محاولة فهم الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المؤدية للعنف أو تقديمه على أنه مجرد انحراف عن النهج السلمي للإسلامويين11.
ويشير فاخيماكرز، وهو محق في ذلك، إلى أن داعش جماعة إرهابية معادية للشيعة بشدة. وقد زعم الأب المؤسس لداعش، أبو مصعب الزرقاوي، أن انتصار الإسلام مرتبط بالقضاء المادي على الشيعة12، وأن داعش استهدف المدنيين الشيعة في العراق على هذا الأساس. غير أن ما لم يذكره الكتاب هو أن الزرقاوي اعتنق معتقداته المعادية للشيعة من سرور، مُنظِّره في حركة الصحوة التابعة للإخوان المسلمين13. وما الإبادة الجماعية المعادية للشيعة التي تُشتهر بها داعش في الواقع إلا استمرارًا لأيديولوجية الإخوان المسلمين14.
فيما يتعلق بالهجمات التي شنها تنظيم القاعدة في العراق، سلف داعش، على العاصمة الأردنية عمّان في عام 2005، يقول المؤلف:
لا علاقة للإخوان المسلمين بذلك. وعلاوة على ذلك، فإنهم يمثلون نوعًا مختلفًا من الإسلاموية عن التي تعتنقها القاعدة. لكن كثيرين لا يتمكنون من رؤية هذا التمييز عندما أعرّب العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين عن تعازيهم لعائلة أبو مصعب الزرقاوي (1966-2006)، الزعيم الأردني لتنظيم القاعدة في العراق، عندما قُتل في عام 2006. وعلى الرغم من أنهم ربما كانوا يتصرفون بدافع الأدب مع عائلة من دائرتهم الانتخابية -وليس بدافع التعاطف مع تنظيم القاعدة- وقد فعل سياسيون آخرون الشيء نفسه، لكنهم تُركوا دون عقاب، بينما غرِّم اثنان من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وسجنا لمدة ثمانية عشر شهرًا إلى عامين بسبب ذلك [ص 108].
وهنا، مرة أخرى، يقلِّل الكاتب من شأن الأيديولوجية، ويصوّر أعضاء البرلمان الأردني من جماعة الإخوان المسلمين الذين يقدمون التعازي لعائلة الزرقاوي عند وفاته على أنه من قبيل العرف الاجتماعي. وينقل الكاتب هذا التبرير، بدلًا من أن يجادله، وهو جزء من نمط المؤلف في نقل وجهة نظر الإخوان المسلمين الخاصة دون تمحيص. علاوة على ذلك، فإنه افتراض شديد السذاجة في ظل وجود أوجه شبه أيديولوجية عدة بين تنظيمات مثل القاعدة وداعش والإخوان المسلمين.
إضافة إلى ذلك، هناك أدلة فعلية تشير إلى أن التعازي المقدمة كانت بدافع التعاطف مع الزرقاوي: أشار أحد أعضاء البرلمان الأردني من الإخوان المسلمين إلى الزرقاوي على أنه “شهيد”. وتعليقًا على الأردنيين الأبرياء الذين قُتلوا في هجمات الزرقاوي، قال العضو نفسه في جماعة الإخوان المسلمين إنهم ليسوا شهداء بل “غوغاء وجاهلون”. وقد أودت الهجمات الانتحارية بحياة ستين شخصًا شاركوا في حفل زفاف في فندق، وكان من بين القتلى نساء وأطفال. ومن أسفٍ أن الكتاب لم يذكر هذه المعلومات المقلقة حول عضو البرلمان عن جماعة الإخوان المسلمين الذي يدعم الهجمات الانتحارية، بل برَّرها.
الخلط بين الإسلام والإسلاموية
علاوة على ما سبق، ينظر المؤلف إلى معاداة السامية بين جماعة الإخوان المسلمين، إلى حدٍّ كبير، على أنها مشكلة الإخوان المسلمين الأوائل، وهذا أبعد ما يكون عن الوصف الدقيق15. ولا يذكر الكتاب التمويل النازي للإخوان المسلمين أو أن مؤسسه، حسن البنا، كان معجبًا بهتلر، كما يفعل القرضاوي، المُنظِّر الرئيس الحالي للإخوان. وبدلًا من ذلك، يُشار إلى الإخوان المسلمين على أنهم معجبون بالحرية والديمقراطية في الدول الغربية، في حين أن التأثير الغربي الرئيس على أيديولوجيتهم هو الفاشية النازية.
لقد أكدت بحوث سابقة أن القرآن لا يمارس التمييز ضد اليهود، ولا هو معاد للسامية16. ومع ذلك، لم يأتِ الكتاب على ذكر معاداة السامية المتأسلمة، كما أنشأها الإخوان المسلمون، ضمن معتقداتهم، ولكن اختزلت في تفسيراتهم الخاصة التي تشير إلى اقتباس من القرآن دون السياق المناسب لما فعله الإخوان المسلمون عندما سيّسوا هذه الآيات القرآنية. على سبيل المثال، أضاف سيد قطب مؤامرة “بروتوكولات حكماء صهيون” إليها في كتابه “في ظلال القرآن”17. وبالتالي، عند تكرار تفسيرات الإخوان المسلمين الخاصة -دونما تحليل نقدي- فإن ذلك يأتي على حساب الإسلام.
ويمكن رؤية الميل ذاته إلى إلقاء اللوم على القرآن في الأيديولوجية الرجعية لجماعة الإخوان المسلمين في الاقتباس التالي:
غير أن الحالة أكثر تعقيدًا فيما يتعلق بالحقوق والحريات المجتمعية. ومن الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين لم تتنازل كثيرًا عن هذه النقطة. وربما يرجع ذلك إلى النصوص الواضحة نسبيًا في القرآن حول حقوق المرأة، على سبيل المثال، وبسبب المعايير الاجتماعية المحافظة عمومًا في العالم العربي التي لا تسمح بموقف مختلف عن جماعة الإخوان المسلمين الشعبوية [ص 223].
وهنا، تبرز خطورة ما ذكره المؤلف فهو يصوِّر المسلمين والإسلام، بما في ذلك القرآن، على أنهم بطبيعتهم كارهون للنساء، ومتخلفون، في حين أن الحقيقة هي أن جماعة الإخوان المسلمين قد اعتنقت هذه التفسيرات الرجعية، مثل اعتقاد محمد قطب بأن المرأة لا ينبغي أن تعمل أو تشارك في التفاعل الاجتماعي في المجتمع18.
إن من شأن عدم تحديد أيديولوجية الإخوان المسلمين، وتناولها بشكل نقدي، بل تكرار وجهة نظرهم الخاصة، أن يعطي القارئ -الذي يجب أن يُفترض أن يكون أوروبيًا بالأساس- انطباعًا بأن جماعة الإخوان المسلمين حركة تقدمية، وافتراض أن الإسلام رجعي.
وأخيرًا، يختتم المؤلف الكتاب الذي بين أيدينا بالقول إنه لا ينبغي اختزال جماعة الإخوان المسلمين في صورة نمطية واحدة، بل ينبغي الأخذ في الاعتبار أيضًا الصورة النمطية للإخوان المسلمين كحركة متطورة وسلمية وديمقراطية.