مينا العريبي تكتب:
هل يعود الوهج للأمم المتحدة؟
بعد انتهاء مراسم العزاء والدفن المهيبة التي أقيمت للملكة إليزابيث الثانية في بريطانيا أمس، تتجه أنظارُ العالم إلى الولايات المتحدة حيث يجتمع قادة العالم ضمن فعاليات الأسبوع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذه السنة هي الأولى التي يجتمع فيها رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية العالم في نيويورك بعد انقطاع سنتين، بسبب جائحة كوفيد - 19. وقد تغير العالم كثيراً منذ ذلك الوقت، من تبعات وباء كوفيد – 19، إلى تداعيات حرب أوكرانيا التي تدخل شهرها الثامن من دون بوادر انتهاء قريبة.
الأزمة الاقتصادية، متفاقمة مع أزمة الطاقة التي تواجهها الكثير من دول العالم وخاصة أوروبا، التي تشغل أذهان الدبلوماسيين الغربيين، بينما الدبلوماسيون العرب منشغلون بحث دول العالم على الانتباه لقضايا العرب، بالإضافة إلى القضايا العالمية بعدما سيطرت الأزمة الأوكرانية على المشهد الدولي. حل غالبية مشاكل العالم، مثل التغيير المناخي ومواجهة آفة الأسلحة النووية، يستدعي تعاوناً بين الأطراف كافة، وخصوصاً الأعضاء الدائمي العضوية في مجلس الأمن - أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى - لكن الانقسام بينهما يزداد حدة.
انطلقت فعاليات الأسبوع العالي المستوى بقمة خاصة بالتعليم، إذ أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش أن أحد شعارات الدورة الـ77 للجمعية العامة هي «التعليم للجميع»، مشدداً على أهمية منح أطفال العالم كافة فرصة التعليم. واستمرت نقاشات القمة يومي الجمعة والسبت الماضيين، ويوم الاثنين حول التحديات التي تواجه قطاع التعليم والفرص التي يشكلها التقدم التكنولوجي لتوسيع إطار التعليم لمن قد يصعب عليه حضور المدارس. بينما طالت الخطابات من قبل الحضور، على رأسهم رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردون براون وهو ممثل دولي لدعم التعليم، صادف يوم الاثنين ذكرى مرور عام كامل على إعلان حركة طالبان، منعَ الفتيات من الدراسة في أفغانستان. فاليوم يمكن لبعض الفتيات الأفغانيات الذهاب للمدارس في المرحلة الابتدائية فقط، ولكن يمنع عن جميع الأفغانيات الدراسة الإعدادية والثانوية والجامعية.
ورغم المناشدات الدولية، التي يقودها غوتيريش، لم يسمح للبنات بالتعليم على مدار سنة كاملة في أفغانستان. وهنا يطرح السؤال، ما فائدة مثل هذه النداءات من الأمم المتحدة، إذا كان في الأخير القرار بيد من يرفض الانصياع للمطالب الدولية؟ هناك أيضاً أزمة ناقلة النفط العملاقة «صافر» قبالة شواطئ اليمن في ساحل البحر الأحمر، التي يعرقل الحوثيون معالجتها. تكرر الأمم المتحدة تحذيراتها بأن الناقلة المتهالكة ممكن أن تنفجر في أي وقت مما سيعني كارثة بيئية مهولة تؤثر على البحر الأحمر وسكان شواطئه. وهناك حاجة لـ5 ملايين دولار لمعالجة أزمة الناقلة، لكن لم تستطع المنظمة بعد جمعها من المتبرعين لتتمكن من معالجة الأزمة، ولم يتعاون الحوثيون في معالجة هذه الأزمة.
مأساة حرمان البنات من التعليم في أفغانستان وأزمة «صافر» التي تعتبر قنبلة موقوتة، هما نموذجان فقط من نماذج عديدة تظهر ضعف الأمم المتحدة من معالجة أزمة ما من دون أولاً موافقة الحكومة المسيطرة على بلد ما، وثانياً التمويل الكافي للقيام بالعمل المطلوب.
هذه هي معضلة الأمم المتحدة. ففي النهاية نجاح المنظمة، أو فشلها، مرتبطٌ بتعاون الأعضاء، وخاصة الأعضاء الأكثر قوة في مجلس الأمن. من المتوقع أن يكرر الأمين العام للأمم المتحدة رسالته للدول الأعضاء أمام الجمعية العامة اليوم الثلاثاء عن أهمية التعاون الدولي، ودعم المنظمة الدولية التي تعتبر المكان الأهم والأبرز للدبلوماسية والتكاتف الدولي. ومع تفاقم الأزمة الأوكرانية ونشوب أزمات جديدة مثل تلك التي تتطور بين أذربيجان وأرمينيا، واستمرار أزمات أخرى مثل سوريا وفلسطين، لا يمكن التخلي عن المسرح الدولي للاجتماع والتشاور والبحث عن حلول مجدية.
بعد غياب دام أكثر من عامين من اللقاءات بين القيادات العالمية على مدار أسبوع، تمثل اجتماعات الجمعية العامة هذه السنة اختباراً جديداً للأمم المتحدة. هل ستبرهن على أهميتها وتعيد الأمم المتحدة وهجها؟ أم سيضيع القادة فرصة جديدة للتكاتف الدولي؟ لا أحد يتوقع معجزة وأن يصنع السلم الدولي فجأة هذا الأسبوع، لكن المؤمل أن يقتنع قادة العالم بأهمية التواصل والعمل الجدي للبحث عن حلول فعالة. وهذا ممكنٌ، فرغم ضعف المنظمة وإشكالياتها، خاصة من حيث احتكار قرارها في الكثير من الأحيان من قبل الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فإن الأمم المتحدة ضرورة لا بد منها. فلا يمكن للعالم أن يتفاهم على قضايا مصيرية، مثل مواجهة التغيير المناخي والسيطرة على الأسلحة النووية، ومعالجة الأزمات الصحية مثل كوفيد 19 من دون آلية عمل مشتركة تمثلها الأمم المتحدة.
أما النزاعات الثنائية والانقسامات الدولية ستستمر على المدى المنظور، وسيكون على الدول المحايدة والقادرة أن تزيد من جهودها لدعم الأمم المتحدة لتقدم الآلية المناسبة لحلها، وأولها أزمة أوكرانيا التي باتت تهدد بأن تصبح أزمة طويلة الأمد تزيد من تعقيد التحديات التي تواجه العالم.