خير الله خير الله يكتب:

برلمان الكويت تغيّر… هل يتغيّر النهج؟

إذا كانت النزاهة والشفافية عنواني الانتخابات النيابية التي جرت في الكويت كشكل، فإن التغيير هو عنوان النتائج كمضمون بعدما بلغت نسبة هذا التغيير 54 في المئة. أسفرت الانتخابات عن عودة قوية لرئيس البرلمان السابق أحمد السعدون مع مجموعة من النواب المعروفين بعملهم الجيد في مجالي التشريع والرقابة. صار من شبه الأكيد أن يتولى السعدون رئاسة المجلس المقبل لمواكبة التغيير الذي تجريه القيادة السياسية الكويتية على قدم وساق. إنّه تغيير تبدو أنّ القيادة مصرّة عليه بقوّة وحزم. البرلمان تغيّر… هل يتغيّر النهج التعطيلي؟

في الحصيلة، يمكن القول إن معارضين نجحوا في الاحتفاظ بمقاعدهم، كذلك ارتفع عدد النواب الشيعة إلى تسعة، في مقابل ستة في المجلس السابق. في الوقت ذاته، أظهر الإخوان المسلمون أنهم يجيدون قواعد اللعبة الانتخابية إذ رشحوا أشخاصا معلنين ودعموا في الوقت نفسه مرشحين من تيارهم من دون إعلان ففاز ثلاثة من المعلنين واثنان من غير المعلنين، كما عاد التجمع السلفي بنائبين إضافة إلى وصول نواب آخرين من السلفيين والمحافظين من دون أن يكون لهم انتماء حزبي. والجميل أن المرأة عادت بمقعدين إلى المجلس (عالية الخالد وجنان بوشهري).

للنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات أسباب مختلفة منها أن التصويت جرى للمرة الأولى بنظام البطاقة المدنية وليس حسب جداول القيد منعا لنقل أصوات من دائرة إلى أخرى وهو الأمر الذي أدى إلى تغيير حسبة الأصوات بالمئات في بعض الدوائر.

ومن الأسباب، التي أدّت إلى النتائج أيضا، الإقبال الكثيف في مناطق القبائل وتحديدا في الدائرتين الرابعة والخامسة حيث الثقل القبلي الانتخابي، وهذا الإقبال ارتكز على أمرين: غياب الانتخابات الفرعية التي كانت تجرى داخل كل قبيلة وتحسم سلفا حظوظ المرشحين، وحصول تطورات ومناوشات سياسية بين مرشحين من قبائل مختلفة وأحيانا من القبيلة نفسها ما أدى إلى ما يسمونه في الكويت “فزعة” (أي انتصار والتفاف حول مرشح) الأمر الذي رفع من كثافة التصويت.

إضافة إلى ذلك، هنالك عامل مهم تمثل في تعهد القيادة السياسية بعدم التدخل في الانتخابات ولا في انتخابات رئاسة مجلس الأمة ولا في انتخابات اللجان النيابية، وهذا العامل الذي ورد في الخطاب التاريخي الذي ألقاه ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد نيابة عن أمير البلاد في حزيران – يونيو 2022 غير الكثير من المعادلات خصوصا بالنسبة إلى من يسمّونهم النواب أو المرشحين الحكوميين، إذ التزمت السلطة الحياد المطلق معتمدة على خيارات الناس فقط.

ثمّة عوامل كثيرة أدت إلى تلك النتائج، مع ضرورة تأكيد أن الكويت قدمت وتقدم في كل مرة نموذجا ناجحا لا غبار عليه في إدارة العملية الانتخابية وتنظيمها. تفتح الكويت أبواب هذا الاستحقاق لمن يريد أن يشارك ويراقب ويرصد في ظل شفافية ارتبطت بها كمسار سياسي ووطني لم تحد عنه يوما. من الظواهر الصحيّة تنافس 305 من المرشحين، بينهم 22 امرأة على المقاعد الخمسين في مجلس الأمة.

يبقى أن الانتخابات لم تعد غاية في الكويت في ظل رؤية القيادة السياسية. هي وسيلة من وسائل كثيرة ستغيّر المشهد السياسي في الكويت في الأعوام المقبلة. فحيثما نظرت وجدت تغييرا تدريجيا بعضه معلن وبعضه تم من دون إعلان لإيجاد أرضية صلبة تسمح بإعادة الانطلاق نحو التنمية التي تجمدت مرارا في ثلاجة الخلاف بين البرلمان والحكومة. العالم يتغيّر والمنطقة كلّها تتغيّر. لم يكن جائزا بقاء قطار التنمية في الكويت يراوح مكانه في ظلّ ما يمكن وصفه بتجاذبات سياسيّة لا طائل منها ونقاشات ومزايدات تدور في حلقة مقفلة داخل قاعة مجلس الأمّة.

كانت الكويت بحق منارة الخليج في مختلف الميادين وكانت السباقة في التنوير الفكري والثقافي والفني والعلمي والاجتماعي والعمراني، لكن عوامل خارجية عصفت بها مثل الحرب الإيرانية – العراقية، بين 1980 و1988، مرورا بالغزو العراقي في آب – أغسطس 1990 واستكمالا بالتهديدات التي استمرت فوق الأعوام العشرة من نظام صدام حسين. وهذه العوامل لا تعفي المسؤولية الداخلية – بحسب ما يقوله سياسيون كويتيون مخضرمون – إذ ساهمت تيارات سياسية داخلية في تكريس نهج خاطئ سواء عبر العلاقة بين البرلمان والحكومة. كذلك، ساهمت حكومات في تثبيت هذا الخطأ، وساهمت قوى معينة في فرض قيود اجتماعية لا طائل منها باستثناء أنّها تعبر عن عجز عن اللحاق بركب التطور والتحديث في منطقة الخليج كلّها.

من يتابع اليوم مواقف ولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد وخطاباته وقراراته التنفيذية يلمس أن التغيير نحو الأفضل هو برنامج عمله. مروحة هذا البرنامج واسعة جدا تشمل كل القطاعات. لعلّ أهمّ عنصر فيها إعادة الاعتبار للتنمية من جهة وتصحيح المسار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة أخرى للسير بالتوازي مع اعتبارات التنمية وليس العكس، بأيّ شكل من الأشكال.

بغض النظر عن استيعاب مجلس الأمة الجديد مضمون رسالة التغيير التي كرستها القيادة السياسية كنهج عمل أو عودة بعض نوابه إلى السياق السابق، فإن ما يجري في الكويت ليس كما سبقه، أي أن استحضار زمن تجميد التنمية لن يكتب له النجاح خصوصا إذا أعدنا قراءة هذه الفقرة من خطاب حل البرلمان الذي ألقاه الشيخ مشعل “نناشدكم أبناء وطننا العزيز ألاّ تضيعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود إلى ما كنا عليه لأن هذه العودة لن تكون في صالح الوطن والمواطنين. سيكون لنا في حالة عودتها إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث”.

هذا يعني، عبر كلام مباشر، أنّ في الكويت من يرفض البقاء في أسر متاهات لا تؤدي سوى إلى إضاعة الوقت لا أكثر. الوقت عامل مهمّ. واضح أن في الكويت من يستوعب أهمّيته من زوايا عدّة، في مقدّمها تحمّل مسؤولية مواكبة الانتقال إلى مستقبل أفضل في عالم لا يرحم.