عيسى عبيد الكعبي يكتب:
منظومة السنع الإماراتية.. ميراث سلوك عظيم
يورث شعب الإمارات، من جيلٍ إلى جيلٍ، منظومةَ عاداتٍ وتقاليد ترسخت على مر الزمان، وصارت مكونًا من مكونات الشخصية والهوية الإماراتية.
وتُعرف هذه المنظومة من العادات والتقاليد الإماراتية باسم "السنع".. وتتضمن قواعد متنوعة تنظم سلوك الأفراد خلال تعاملاتهم اليومية، كاحترام كبار السن، والشجاعة، والفروسية، والولاء والإخلاص، والكرم، والصدق، وحُسن الضيافة، وآداب المجلس والمعاملة، وآداب تناول الطعام، والتضامن، وآداب التحية والسلام، واحترام المهن، وحب الآخرين، والإيثار.
ويمكن تقريب معنى "السنع" الإماراتي بشكل إجمالي بأنه فن "الإتيكيت" بالمعنى الحداثي، أو فن التعامل مع الآخرين على أسس القيم الأصيلة الإماراتية، الموروثة عن الآباء والأجداد.
ويختلف "السنع" وفق كل مناسبة وموقف في الحياة اليومية، فمنها ما يرتبط بتقديم القهوة للضيف، وهي المشروب الذي يمثل جزءًا مهمًا في منظومة "السنع" لدى شعب دولة الإمارات، وشعوب المنطقة العربية عموما.
وللقهوة في "السنع" مبادئ تم التعارف عليها، إذ يقدمها في المجلس الأصغر سنًّا بين حاضري المجلس، ويلقبونه بـ"المقهوي"، ومعه مَن يدور بين الضيوف لتقديم الفناجين كواجب ضيافة يبدأ بالأكبر سنًّا حتى الأقل.. فإذا ما أعاد الضيف فنجانه بعد شُربه دون أن يهزّه، أو لم ينطق بكلمة شكر تدل على أنه اكتفى، يُعاد ملء الفنجان حتى يقول "غنمت"، التي تعني الشكر والكفاية.
كذلك تتضح آداب "السنع" في تبادل الزيارات، وكلها سلوكيات تتفق مع المتعارف عليه دينا أو تقاليد أصيلة تحتكم إلى ما يجب وما لا يجب في المجتمعات المحافظة الأصيلة، لكن بعضها تطوّر بتطوُّر الحياة الاجتماعية.
أيضا يبرز "السنع" في عادات الطعام.. ليس فقط في طريقة تناوله باحترام، بل يتطرق الأمر إلى نوع الموضوعات التي تُطرح على المآدب، بحسب كل مناسبة، فمثلا لا ضحك مبالغٌ فيه على المائدة، ولا انتقاد لنوع أكل أيا كان.
كذلك آداب السلام، ومنها "المُخاشمة"، الموروثة كعادة قديمة في شبه الجزيرة العربية كلها، بالإضافة إلى بروز "السنع" في عادات صلة الرحم والتشجيع على ترابط العلاقات الأسرية والاجتماعية، والحفاظ على التواصل بين الأجيال المختلفة.. إذ تحمل الأمهات مسؤولية غرس هذه القيم والتقاليد في نفوس بناتهن، استمرارًا لصلابة المجتمع ودعم الألفة والمحبة في أوصاله.. فيما الأطفال الذكور يكتسبون هذه الآداب بوجودهم في مجالس الرجال، ليتلقَّوا عبر التقليد سلوكياتٍ بعينها، يتداولونها كبارًا، لينشأ جيلٌ كاملٌ يسلم راية منظومة "السنع" الأخلاقية كوثيقة مبادئ وقواعد حياة عامة تدور حول محورها لتنمو نحو السماء لكن جذرها ثابت في الأرض.
وقد دخلت منظومة "السنع" التراثية في خانة الحفاظ على الهوية، فقدمت لها مؤسسات الدولة المعنية كل الرعاية، بتوثيق كل ما يتعلق بـ"الإتيكيت" الاجتماعي الإماراتي، وتنظيم دورات متخصصة في "السنع" للأطفال والشباب في مختلف مراحل الحياة، كجزء من بناء الشخصية الوطنية وثقافة المجتمع في دولة الإمارات.
وهنا تتناقل مؤسساتنا التعليمية والثقافية موروثات "السنع" عبر المناهج الدراسية، لتتمكن الأجيال الجديدة من الاطلاع على هويتها والسير على دربها، فالثقافة لا تنتقل بالحكْي، بل بالممارسة اليومية، لجعل القيم الأصيلة تنمو مع، وفي، نفوس الأفراد من الصغر حتى يشيخوا، ليصيروا فيما بعد ممثلا لشخصية دولة الإمارات، الجامعة بين الأصالة في التقاليد وبين العصرية في العلم والمعرفة، منفتحة على كل ما هو جديد، لكنها لا تترك قديمها الحيّ الخالدَ يبلى مع الزمن، بل تجعله جزءًا من نسيج الحاضر، ليلتئم ويتماسك مجتمعُهما في مواجهة كل ما هو دخيل على الروح النقية والآداب الراقية لمجتمع متطور.