د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):
بناء السلام في اليمن 28 عاما من الفشل
إن مفهوم بناء السلام لدى المنظومة الدولية الراعية لعملية السلام في العالم تبلور بصورة واضحة في تسعينيات القرن الماضي لاسيما مع صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك الدكتور/ بطرس بطرس غالي بعنوان “أجندة السلام” “Agenda for Peace” في يونيو 1992.
ووفقاً لهذا التقرير فإن بناء السلام هو” مجموعة الإجراءات التي تُمارس قبل وأثناء وبعد انتهاء الصراع، بهدف مواجهة الصراعات الداخلية بين الدول، والحيلولة دون تجددها.” وترتبط منظومة بناء السلام بمجموعة من المفاهيم الأخرى، مثل: الدبلوماسية الوقائية وصنع السلام وحفظ السلام وفرض السلام:
وفي سبيل تتبع مسارات جهود بناء السلام في اليمن منذ بداية صيف حرب 94 حتى اللحظة يرى أن مصيرها الفشل، وتكون نتائجها كارثية لاسيما على شعب الجنوب. فمن خلال تلك المسارات تتضح لنا خيبات الأمل والفشل الذريع.. كما هي موضحة في الاتي:
1ـ الدبلوماسية الوقائية: هي: “مجموعة الإجراءات السلمية التي تهدف منذ البداية لمنع نشوب النزاعات والصراعات داخل الدولة، ومنع تصاعد حدة الخلافات القائمة وتحولها إلى صراعات مسلحة أو حرب أهلية، وكذلك العمل على منع انتشار الصراعات في حال تصاعدها”
والمتأمل في الحالة اليمنية يرى انها كانت غائبة منذ البداية في أزمة المرحلة الانتقالية لمشروع الوحدة اليمنية، رغم المناشدات الني أطلقتها قيادات شعب الجنوب في السنوات الأولى من مشروع الوحدة، وكذلك غاب ذلك المسار الأممي منذ سطوع الحراك الشعبي الجنوبي المطالب بحقوقه المشروعة، رغم دعوات شعب الجنوب المبكرة للاعتراف بقضيته الوطنية المشروع، بينما ذلك المسار كان حاضرا في صراعات السلطة اليمنية لاسيما حرب صعدة والخلاف الاخواني مع نظام صالح.
2ـ صنع السلام: هو “الجهود والعمليات التي تتضمن أي عمل يهدف إلى دفع الأطراف المتصارعة (المتحاربة) للتوصل إلى اتفاق سلام”. وهذا المسار كان حاضرا في حرب صيف 94 وتمثل في وثيقة العهد والاتفاق التي كانت برعاية عربية وإقليمية لكن الراعيين لهذه الوثيقة لم يكونوا أهلا لها، بل أنهم وقفوا مع الطرف المنقض عليها فشنت الحرب على الجنوب بعد تلك الوثيقة مباشرة .
وفي أزمة سلطة صنعاء في مطلع 2011م كان ذلك مسار صنع السلام حاضرا في الأزمة اليمنية على السلطة في صنعاء فكانت المبادرة الخليجية والرحلات المكوكية للمبعوثين الأممين، جمال بن عمر وولد الشيخ ومارتن جرفتيش جميعها تسعى لنقل السلطة في مرحلة انتقالية سلمية، ومحاولاتهم تجاوز قضية شعب الجنوب كانت جهود صنع السلام تلك مصيرها الفشل نظرا لتجاوز قضية شعب الجنوب التي، عدها معظم المراقبين بأنها مفتاح الأزمة في اليمن، ثم تلتها اتفاقية السلم والشراكة لكن الفشل والانقضاض على السلطة من قبل المليشيات الحوثية والحرب كانت هي النتيجة المتوقعة من تلك الجهود المبذولة في صنع السلام في اليمن .
3ـ حفظ السلام: هو أكثر المفاهيم شيوعاً في الاستخدام وهي تعبر عن “التدابير المؤقتة التي يمتلك مجلس الأمن اتخاذها دون أن يحسم الخلاف بين الأطراف المتنازعة آو يخل بحقوق المتنازعين أو يؤثر على مطالبهم وذلك على النحو الذي أقرته المادة “40” من ميثاق الأمم المتحدة”.
هذا المسار تجلى في صيف 94 عندما قاد نظام صنعاء حرب شعوا ضد شريك الوحدة بغرض فرض الوحدة بالقوة العسكرية فقد تحركت الجهود العربية بالمطالبة بإيقاف الحرب ضد شعب الجنوب وكان النتيجة بيان من مجلس التعاون لدول الخليج العربي وقراري مجلس الأمن الدولي جميعها تدعو إلى إيقاف الحرب، والدعوة للحوار وعدم فرض خيار الوحدة أو الانفصال بالقوة. لكن الصمت والتماطل في تطبيق تلك البيانات والقرارات كانت هي الحاضرة وتجلت المؤامرة وغزت صنعاء عدن وفرضت الوحدة بالقوة حد اللحظة.
4ـ فرض السلام: هو “التطرق لاستخدام القوة المسلحة أو التهديد باستخدامها لإرغام الأطراف المعنية بأهمية الامتثال للقرارات والعقوبات المفروضة من أجل الحفاظ أو استعادة النظام والأمن والسلام في الدولة مرة أخرى.
كان هذا المسار غائبا في تنفيذ بنود اتفاقية العهد والاتفاق وكذلك غاب التنفيذ في قراري مجلس الأمن، ومازال أثار ذلك الصمت يجنيه شعب الجنوب حد اللحظة.
وفي حرب 2014 والأحداث العسكرية التي تلتها مازال الطرف المتمرد على الشرعية الدولية يمارس الحرب ضد شعب الجنوب ورغم أن معظم دول المجتمع الدولي تقر وتصنف بأن الحركة الحوثية والاخوانية حركات إرهابية لكنها تركت لها مسارات فرض السلام مفتوحة دون أن تجد هناك أي رادع أو إيقاف لإرهابها ضد شعب الجنوب.
وفي اتفاقية ومشاورات الرياض التي التزمت القيادة السياسية لشعب الجنوب والمتمثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي بتنفيذ بنودها بينما القوات العسكرية في المناطق الجنوبية التي، طالبت بنود الاتفاق بخروجها إلى جبهات القتال مازالت متمردة عن تنفيذ تلك البنود دون أن تقوم الجهات الراعية لتلك الاتفاقيات بفرض السلام بالقوة استجابة لمطالب الشعب الجنوبي في حضرموت الذي أجمع على خروجها في سبيل حفظ الأمن في تلك المناطق وتطهيرها من تلك العناصر المشبوهة لاسيما ان معظم تلك القوات العسكرية لها علاقة وطيدة بالإرهاب وكذلك تخادمها مع المليشيات الحوثية التي تعد خطرا على أمن المنطقة.
مما ذكر أعلاه تبين أن شعب الجنوب يمارس عليه الظلم والاستبداد المحلي والاقليمي والدولي واصبح العالم صامتا أمام ماساة شعب الجنوب دون ان يحرك ساكنا في سبيل بناء السلام ونصرة حقوق الشعوب المطالبة بحريتها ونيل حقوقها المشروعة.
ومما سبق فأننا ندعو دعاة بناء السلام في العالم ممثلاً في مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة التي تعمل في المجالات الاقتصادية والإنسانية والسياسية والاجتماعية والثقافية المنظمات الإقليمية.
إلى النظر في الحرب الظالمة والمسلطة على شعب الجنوب منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي والذي تقوده التنظيمات اليمنية الدينية الإرهابية وعلى مرئ ومسمع العالم أجمع.
الحوطة