د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):
صمت الغياب: إحباط الانتظار وانطفاء الحماسة
تخيل أنك تسير في طريق طويل، تعطي كل خطوة من قلبك، تملأ روحك بالاندفاع نحو الآخر، تتحدث، تشارك، تبادر. ولكن في كل مرة، تشعر أن صوتك يتردد في فراغ كبير، وكأن لا أحد يسمع، لا أحد يستجيب. كل جهد تُقدمه يذوب في هواء ثقيل، وكأنك تخطو نحو سراب بعيد لا يقترب أبدًا. هذا الشعور بالتجاهل أو التهميش يمكن أن يكون أشبه بجرح عميق لا تراه، ولكنه ينبض بوجع لا يتوقف.
ثم، بعد فترة طويلة من الغياب، يأتي ذلك السؤال. سؤال يطرق أبواب قلبك المغلق الآن بعد صراع مع الصمت. ولكن بدلاً من أن يكون هذا السؤال شفاءً لجرحك، تجد أن شيئًا بداخلك تغير.
ذلك الاندفاع الذي كان يملأك ذات يوم، تلك الحماسة التي كنت تتملكها، تحولت إلى رماد. تسأل نفسك: "أين كانوا؟ لماذا لم يسألوا عندما كنت أحتاجهم؟". هنا يولد شعور قوي بالإحباط، إحباط يمزق خيوط الأمل التي كنت قد نسجتها بعناية حول علاقتك مع الآخر.
الخذلان ليس مجرد شعور عابر؛ إنه حالة تتغلغل في الروح. عندما تعطي دون أن تُعطى، عندما تسأل دون أن تُسأل، يصبح الصمت هو الجواب الوحيد الذي تحصل عليه. ومع مرور الوقت، تبدأ في التساؤل عن جدوى كل ما قدمته. تتلاشى الرغبة في المبادرة، يتبخر الحماس الذي كان يدفعك إلى الأمام. ما كان يومًا رغبة ملحة في التواصل والاقتراب، يتحول الآن إلى تردد وحذر.
ثم تأتي اللحظة الحاسمة: هل تستطيع أن تمد يدك مرة أخرى؟ هل بإمكانك أن تعيد بناء جسور الثقة مع من خذلك؟ أم أنك الآن تفضل البقاء في منطقة الأمان، بعيدًا عن أي جرح جديد؟ الحقيقة القاسية هي أن الاندفاع نحو الآخر يتطلب شعورًا بالمتبادلة، شعورًا بأنك مهم بالنسبة للطرف الآخر كما هو مهم بالنسبة لك.
الإحباط الناتج عن عدم التفاعل هو إحباط عميق، يشبه انطفاء ضوء داخلي كان يومًا ما يضيء الطريق. تشعر وكأنك قد فقدت جزءًا من نفسك، ذلك الجزء الذي كان مليئًا بالأمل والحماسة. وتبدأ في إعادة تقييم كل شيء: هل كنت مبالغًا في مشاعرك؟ هل كنت أنت الشخص الذي أعطى أكثر مما يجب؟ وهل سيأتي الوقت الذي يعيد فيه الطرف الآخر بناء الجسور التي تركها تنهار؟
هنا تكمن الدراما الحقيقية: ليس في السؤال بعد الغياب، ولكن في الصمت الذي يسبق هذا السؤال