د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):
الذكرى الثالثة عشرة لرحيل هشام باشراحيل
تمر اليوم الذكرى الثالثة عشرة لوفاة الصحفي اليمني البارز هشام محمد باشراحيل، أحد أبرز وجوه الصحافة في اليمن خلال العقود الأخيرة، ورئيس تحرير صحيفة الأيام التي مثّلت في فترات متعددة مساحة نادرة لحرية الرأي والتعبير في البلاد.
توفي هشام باشراحيل يوم السبت 16 يونيو 2012، بأحد مستشفيات ألمانيا عن عمر ناهز 68 عامًا، بعد صراع طويل مع مرض القلب. وكان قد خضع لعدة عمليات جراحية، أبرزها جراحة قلب مفتوح قبل سنوات من وفاته.
تُعد صحيفة الأيام من أقدم الصحف اليمنية وأكثرها تأثيرًا، إذ تأسست عام 1958 في مدينة عدن على يد والد الفقيد، محمد علي باشراحيل، خلال فترة الاستعمار البريطاني. وعلى الرغم من توقفها قسرًا لمدة 23 عامًا نتيجة سياسات النظام الجنوبي آنذاك، فقد أُعيد إصدارها بعد توحيد اليمن عام 1990، لتعود بقوة إلى المشهد الإعلامي، مستفيدة من الهامش النسبي لحرية الصحافة آنذاك.
منذ عودتها، اتبعت الصحيفة خطًا تحريريًا مستقلًا، ركز على قضايا الجنوب، وفتح ملفات شائكة تتعلق بالحقوق، والحكم المحلي، والانتهاكات الأمنية، وهو ما جعلها عرضة لاستهداف متكرر من قبل السلطات.
في مطلع عام 2010، بلغت المواجهة بين السلطات الأمنية والصحيفة ذروتها. ففي 4 و5 يناير من ذلك العام، تعرض مقر الأيام ومجمع أسرة باشراحيل في مدينة كريتر – عدن، لهجوم مسلح عنيف. أُطلقت قذائف آر بي جي وأسلحة ثقيلة تجاه المجمع، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، واعتقال هشام باشراحيل ونجليه محمد وهاني، إضافة إلى عدد من المتضامنين، بعضهم من قيادات سياسية.
السلطات اليمنية حينها برّرت الهجوم بوجود ما وصفته بـ"عناصر مسلحة" تتحصن داخل المجمع. غير أن روايات حقوقية وتقارير غير رسمية – بينها وثائق مسرّبة من موقع ويكيليكس – تحدثت عن وجود دوافع سياسية خلف العملية، تتعلق بتغطية الصحيفة المتواصلة لنشاط الحراك الجنوبي السلمي، الذي بدأ عام 2007، وازداد حضوره الإعلامي والجماهيري بشكل لافت.
وبحسب الوثائق ذاتها، فإن قرار تنفيذ العملية الأمنية اتُّخذ على مستوى رفيع، وذُكر اسم نائب وزير الأمن والدفاع حينها، رشاد العليمي، بوصفه أحد من تولوا ملف تنفيذ المهمة، في ظل "توتر العلاقة بين الصحيفة والنظام السابق"، كما وصفتها الوثائق.
الحالة التي مثّلها هشام باشراحيل وصحيفة الأيام تسلّط الضوء على إشكالية العلاقة بين الإعلام والسلطة في اليمن، خاصة عندما يلامس الإعلام قضايا سياسية وحقوقية تمس البنية المركزية للدولة. كما تعكس هذه الواقعة هشاشة الحماية القانونية لوسائل الإعلام، في بيئة يغلب عليها التوظيف الأمني والاتهامات السياسية عند الخلاف.
ورغم الاتهامات التي وجهت للصحيفة وناشريها – من قبيل تشكيل "خلايا مسلحة" أو "الارتباط بأجندات خارجية" – لم تُقدَّم أدلة موثقة للرأي العام تؤكد هذه المزاعم، بينما استمرت الصحيفة لسنوات في تقديم خطاب نقدي ضمن أطر العمل الصحفي، بحسب مراقبين ومهنيين في الميدان الإعلامي اليمني.
بعد ثلاثة عشر عامًا على وفاته، لا تزال سيرة هشام باشراحيل حاضرة في المشهد الإعلامي اليمني، لا باعتباره شخصية صحفية وحسب، بل بوصفه نموذجًا للصراع بين الكلمة الحرة ومؤسسات الدولة التقليدية. وقد تركت تجربته، ومواقف صحيفة الأيام، أثرًا ملموسًا في وعي جيل من الصحفيين اليمنيين، خصوصًا في الجنوب، حيث تبنّت الصحيفة قضايا الحقوق والمطالب المحلية بصراحة نادرة في ذلك السياق.
وفي حين يُنظر إلى تجربة باشراحيل من قبل مؤيديه كدليل على شجاعة إعلامية نادرة، يراها آخرون أنها خاضت مغامرة غير محسوبة سياسيًا، دفعت ثمنها بمزيد من التصعيد والعنف. وفي الحالتين، تبقى التجربة قابلة للدراسة والتحليل، كجزء من تاريخ الإعلام اليمني الحديث.
تفتح ذكرى رحيل هشام باشراحيل بابًا واسعًا لإعادة تقييم العلاقة بين الصحافة والسلطة في اليمن، والبحث في ضمانات حقيقية لحماية الحريات الإعلامية، خصوصًا في البيئات الهشة سياسيًا وأمنيًا. كما أن توثيق التجارب الفردية، مثل تجربة الأيام، يبقى ضرورة لفهم أعمق لمراحل الصراع والتغيير في اليمن الحديث.